ص : ١٩٨
الوجوب على المستطيع، واقتصار النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم في البيان على الزاد والراحلة إنما كان للرد على من يزعم أنه يجب الحج على الناس مطلقا، ولو كانوا في بلاد نائية، ويقدرون على المشي، بدليل أنه لم يذكر عدم المرض وأمن الطريق مثلا، مع أنهما شرطان من شروط الاستطاعة اتفاقا، فالنبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم اقتصر على بيان بعض الحالات، والحالات الأخرى تؤخذ من عمومات أخرى، كقوله تعالى : يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ [البقرة : ١٨٥] وقوله : وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ [الحج : ٧٨].
ومعلوم أنّ شرط الزاد والراحلة إنما هو لئلا يشقّ عليه، ويناله ما يضره من المشي، فإذا كان من أهل مكة، أو ما قاربها، ويمكنه الوصول إليه دون مشقة، فهذا مستطيع، ويجب عليه الحجّ.
وإذا كان لا يصل إليه إلا بمشقة فهذا الذي خفّف اللّه عنه، ولم يلزمه الفرض حتى يكون مستطيعا إليه سبيلا : زادا وراحلة.
ويرى بعض العلماء أنّ وجود المحرم للمرأة من شرائط وجوب الحجّ مستدلا بما
روي عن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم أنه قال :«لا يحلّ لامرأة تؤمن باللّه واليوم الآخر أن تسافر سفرا فوق ثلاث إلا مع ذي رحم محرم أو زوج» «١».
وروي عن ابن عباس أنه قال : خطب النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فقال :«لا تسافر امرأة إلّا ومعها ذو محرم».
فقال رجل : يا رسول اللّه إني قد اكتتبت في غزوة كذا، قد أرادت امرأتي أن تحجّ.
فقال عليه الصلاة والسلام :«احجج مع امرأتك» «٢».
وهذا يدل على أن المرأة إذا أرادت الحجّ ليس لها أن تحج إلا مع زوج، أي ذي رحم محرم، من وجوه :
أحدها : أن السائل فهم من قوله :
لا تسافر...
إلخ ذلك، ولذلك سأله عن امرأته التي تريد الحج ماذا يفعل، وقد اكتتب في الغزو؟ ولم ينكر النبي عليه ذلك.
وثانيها :
أن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم قال : حج مع امرأتك
وفي ذلك دلالة على أنه حين
قال :«لا تسافر امرأة...
إلخ أراد ما يعم سفر الحج.
ثالثها : أنه أمره بترك الغزو وهو فرض للحج مع امرأته، ولو جاز لها الحج بغير محرم أو زوج لما أمره بترك الغزو.

(١) رواه مسلم في الصحيح (٢/ ٩٧٧)، ١٥ - كتاب الحج، ٧٤ - باب سفر المرأة حديث رقم (٤٢٣/ ١٣٤٠).
(٢) رواه أحمد في المسند (١/ ٢٢٢).


الصفحة التالية
Icon