ص : ٢٠٤
وإذا كان الأمر كذلك فلا جرم إن كان ذكر هذا المعنى سببا في زيادة الشفقة والحنوّ على اليتامى والنساء وذوي الأرحام.
والمراد من النفس الواحدة آدم عليه السلام، والذي عليه الجماعة من الفقهاء والمحدثين أنه ليس سوى آدم واحد، وهو أبو البشر، والمراد من الزوج حوّاء، وقد خلقت من ضلع آدم عليه السلام، وأنكر أبو مسلم خلقها من الضلع، لأنه سبحانه وتعالى قادر على خلقها من التراب، فأي فائدة في خلقها من الضلع، وزعم أنّ معنى مِنْها من جنسها، على حد قوله تعالى : جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً [الشورى : ١١] وهو باطل، إذ لو كان الأمر كما قال. لكان الناس مخلوقين من نفسين لا من نفس واحدة، وهو خلاف النص.
وهو أيضا خلاف ما نطقت به الأخبار الصحيحة عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم،
روى الشيخان :«استوصوا بالنساء خيرا، فإنهنّ خلقن من ضلع، وإنّ أعوج شيء من الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنّساء خيرا» «١»
وقدرة اللّه على خلق حواء من تراب لا تمنع عن خلقها من غيره. فقد خلق الناس بعضهم من بعض، مع القدرة على خلقهم كآدم من تراب، ولعلّ الفائدة في خلق حواء من ضلع آدم - سوى الحكمة التي خفيت علينا - إظهار أنه سبحانه قادر على أن يخلق حيا من حي، لا على سبيل التوالد، كما أنه قادر على أن يخلق حيا من جماد كذلك، واللّه أعلم.
ثم أكد اللّه الأمر بالتقوى، وكرّره بقوله جل شأنه : وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ وفي تعليق الحكم بما في حيز الصلة إشارة إلى نوع آخر من موجبات الامتثال، فإنّ قول الرجل لصاحبه أسألك باللّه على سبيل الاستعطاف يقتضي الاتقاء والحذر من مخالفة أوامره ونواهيه.
قرأ غير حمزة من السبعة وَالْأَرْحامَ بالنصب، والمعنى على هذه القراءة، واتقوا اللّه تعالى واتقوا الأرحام وصلوها ولا تقطعوها، فإن قطعها مما يجب أن يتّقى.
وقرأ حمزة وَالْأَرْحامَ بالجر، وخرّجت في المشهور على العطف على الضمير المجرور، والعطف على الضمير المجرور دون إعادة الجارّ أجازه جماعة من النحاة وأنشد سيبويه في ذلك :
فاليوم قد بتّ تهجونا وتشتمنا فاذهب فما بك والأيام من عجب