ص : ٢٠٧
فَأَرَدْنا أَنْ يُبْدِلَهُما رَبُّهُما خَيْراً مِنْهُ [الكهف : ٨١] وإلى أحد المفعولين بنفسه والثاني بالباء سواء في ذلك الزائل وبدله، وَبَدَّلْناهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ [سبأ : ١٦].
وقال طفيل الغنوي لما أسلم :
وبدل طالعي نحسي بسعدي
والمراد بالخبيث والطيب : الحرام والحلال، أي لا تتركوا مالكم الحلال، وتأكلوا الحرام من أموالهم، أو لا تتركوا العمل الحلال، وهو حفظ أموالهم، وتركبوا الحرام، وهو أكل أموالهم، والعمل على اختزالها، وأيا ما كان الأمر فالتعبير عن الحرام والحلال بالخبيث والطيب للتنفير من أكل أموال اليتامى، والترغيب في حفظها وإنمائها.
وقد قال بعض المفسرين : المراد بالخبيث والطيب الرديء والجيّد، وإلى ذلك ذهب النخعي، والزهري، وابن المسيب، والسدي : فقد أخرج ابن جرير «١» عنه أنه قال : كان أحدهم يأخذ الشاة السمينة من غنم اليتيم، ويجعل مكانها الشاة المهزولة ويقول : شاة بشاة، ويأخذ الدرهم الجيد، ويضع مكانه الزائف، ويقول : درهم بدرهم. وتخصيص هذه المعاملة بالنهي لخروجها مخرج العادة، لا لإباحة ما عداها، فلا مفهوم لعدم توفّر شرطه عند القائل به.
وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ والمراد من الأكل مطلق الانتفاع، وعبّر عنه بالأكل لأنه أغلب أحواله.
والمعنى : ولا تأكلوا أموالهم مضمومة إلى أموالكم، أي لا تسوّوا بينهما، وتنفقوهما معا، وهذا حلال وذاك حرام، وورد النهي على هذا الأسلوب يدل على تقبيح فعلهم، والتشنيع عليهم، حيث كانوا يأكلون أموال اليتامى مع الغنى عنها.
وإذا لا يلزم القائل بمفهوم المخالفة جواز أكل أموالهم وحدها، وظاهر النهي عدم جواز أكل شيء من أموال اليتامى، وقد خص من ذلك مقدار أجر المثل إذا كان الوصيّ فقيرا، لقوله تعالى : وَمَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ [النساء : ٦] وسيأتي الكلام فيه.
والضمير في قوله تعالى : إِنَّهُ كانَ حُوباً كَبِيراً للأكل المفهوم من قوله جل شأنه :
وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ، وقيل : للتبدل، وقيل : لهما، ويكون حينئذ منزّلا منزلة اسم الإشارة، والحوب : الإثم، وفي تنوينه ووصفه بأنه كبير تهويل لأمره المنهيّ عنه، والتنصيص على أنه من كبائر الذنوب العظيمة.

(١) في تفسيره جامع البيان، المشهور بتفسير الطبري (٤/ ١٥٣).


الصفحة التالية
Icon