ص : ٢١٣
والتسرّي أقرب بالنسبة إلى ما عداهما من ألا يميلوا ميلا محظورا، فإنّ من اختار واحدة فقد انتفى عنه الميل والجور رأسا، ومن تسرّى فقد انتفى عنه خطر الجور والميل، أما من اختار عددا من الحرائر فالميل المحظور متوقّع منه لا محالة.
وقد حكي عن الإمام الشافعي رضي اللّه عنه أنه فسر أَلَّا تَعُولُوا بألا تكثر عيالكم، وخطّأه في ذلك الجصاص تبعا للمبرّد «١»، وزعما أنه لا يقال : عال بمعنى كثرت عياله، وإنما يقال : أعال يعيل، ولكنّ صاحب «الكشاف» «٢»، قال : نقل الكسائي عن فصحاء العرب : عال يعول إذا كثرت عياله، وممن نقله الأصمعي «٣» والأزهري «٤»، وهذا التفسير نقله ابن أبي حاتم عن زيد بن أسلم، وهو من جلة التابعين، وقراءة طاووس ألا تعيلوا مؤيدة له، فلا وجه لتشنيع من شنّع على الإمام جاهلا باللغات والآثار ا ه.
قال اللّه تعالى : وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً (٤) المراد بالإيتاء : ما يعمّ المناولة والالتزام.
و(الصّدقات) : جمع صدقة بفتح الصاد وضم الدال، وهي كالصداق بمعنى المهر.
والنّحلة : العطية من غير عوض، ومن ذلك النّحلة بمعنى الديانة، لأنها عطية من اللّه تعالى، وكذلك النحل لما يعطي من العسل، والناحل المهزول، كأنه أعطى لحمه حالا بعد حال بلا عوض، والمنحول من الشّعر المنسوب لغير قائله، ومن فسّر النّحلة هنا بالفريضة نظر إلى أنّ هذه العطية مفروضة من اللّه محتومة، كما قال تعالى بعد آيات المواريث فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ [النساء : ١١].
ذهب ابن عباس إلى أن الخطاب في قوله تعالى : وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ للأزواج، وكان الرجل يتزوّج بلا مهر، يقول : أرثك وترثينني، فتقول : نعم، فأمروا أن يسرعوا إلى إيتاء المهور، وقيل : الخطاب للأولياء : أخرج ابن حميد وابن أبي حاتم عن أبي صالح قال : كان الرجل إذا زوج أيّما، أخذ صداقها دونها، فنهاهم اللّه عن ذلك ونزلت : وَآتُوا النِّساءَ الآية «٥».

(١) محمد بن يزيد بن عبد الأكبر الثمالي، إمام العربية والأدب في بغداد توفي سنة (٢٨٦) انظر الأعلام للزركلي (٧/ ١٤٤).
(٢) الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل للإمام الزمخشري (١/ ٤٦٩). [.....]
(٣) عبد الملك بن قريب بن علي توفي سنة (٢١٦ ه) في البصرة، أحد أئمة اللغة والشعر، انظر الأعلام للزركلي (٤/ ١٦٢).
(٤) محمد بن أحمد بن الأزهر الهروي أحد أئمة اللغة والأدب توفي (٣٧٠) في خراسان، انظر الأعلام للزركلي (٥/ ٣١١).
(٥) انظر الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي (٢/ ١١٩).


الصفحة التالية
Icon