ص : ٢١٧
وأصل الإيناس النظر إلى ما يؤنس به من بعد مع وضع اليد على العين، وقيل :
أصله الإبصار مطلقا، وقيل : الإحساس، وعلى كل فالمراد به هنا التبيّن : أي علم الرشد بيّنا، والرشد الاهتداء إلى وجوه الخير، والمراد به هنا الاهتداء إلى حفظ الأموال فقط، أو مع صلاح الدين، وإذا متمحضة للظرفية أو شرطية وجوابها الجملة الشرطية بعدها.
لمّا أمر اللّه بإيتاء أموالهم على الإطلاق بقوله : وَآتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ شرع في تعيين وقت تسليمهم أموالهم، وبيان شرط ذلك الدفع، فأمر الأولياء باختبار اليتامى في عقولهم وأحوالهم حتّى إذا علموا منهم بعد البلوغ أنّ لهم فهما وعقلا وقدرة في معرفة المصالح والمفاسد دفعوا إليهم أموالهم.
واتفق الإمامان أبو حنيفة والشافعي على أنّ هذا الاختبار يكون قبل البلوغ وتشهد لهما الغاية، وقال الإمام مالك : إنه بعد البلوغ.
وفرّع أبو حنيفة على ذلك أنّ تصرفات الصبي العاقل المميز بإذن الولي صحيحة، لأنّ ذلك الاختبار إنما يحصل إذا أذن له الولي في البيع والشراء مثلا، وذلك يقتضي صحة التصرف، وقال الشافعي : الاختبار لا يقتضي الإذن في التصرف، ولا يتوقف عليه، بل يكون الاختبار دون التصرف، على حسب ما يليق بحال الصبي، فابن التاجر مثلا يختبر في البيع والشراء إلى حيث يتوقف الأمر على العقد، وحينئذ يعقد الولي إن أراد، وعلى هذا القياس.
وأنت خبير بأنّه لو جاز إذن الصبي في التصرف بالفعل لجاز دفع المال إليه وهو صبي، لأنّ المعنى الذي من أجله منع عنه ماله هو بعينه يقتضي عدم صحة تصرفه.
وأيضا تصرف الصبي في ماله يتوقف على دفعه إليه، ودفعه إليه موقوف على شرطين : بلوغه، ثم رشده.
وظاهر قوله تعالى : حَتَّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ أنه لا تدفع أموالهم إليهم، ولو بلغوا، ما لم يؤنس منهم الرشد، وهو مذهب الشافعي، وقول الصاحبين «١»، وبه قال مجاهد، فقد أخرج ابن المنذر وغيره عنه أنه قال : لا يدفع إلى اليتيم ماله وإن شمط، ما لم يؤنس منه رشد، ونسب هذا القول للشعبي.
وقال الإمام أبو حنيفة : إذا بلغ خمسا وعشرين سنة دفع إليه ماله، وإن لم يؤنس منه