ص : ٢٢٨
فما أدلّ هذا على سعة رحمة اللّه بالضعفاء وعظيم فضله عليهم!
آيات المواريث
قال اللّه تعالى : يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِساءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثا ما تَرَكَ وَإِنْ كانَتْ واحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَواهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً (١١) قد ذكرنا لك فيما تقدم بعض الروايات في أسباب نزول آيات المواريث، ونذكر لك رواية أخرى فنقول :
أخرج ابن جرير «١» في سبب نزول آيات المواريث عن السدي يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ أنه قال : كان أهل الجاهلية لا يورّثون الجواري ولا الصغار من الغلمان، لا يرث الرجل من ولده إلا من أطاق القتال، فمات عبد الرحمن أخو حسان الشاعر، وترك امرأة يقال لها : أم كجّة، وترك خمس أخوات، فجاءت الورثة يأخذون ماله، فشكت أم كجّة ذلك إلى النبي صلّى اللّه عليه وسلّم، فأنزل اللّه تبارك وتعالى هذه الآية : فَإِنْ كُنَّ نِساءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثا ما تَرَكَ وَإِنْ كانَتْ واحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ ثم قال فى أم كجّة : وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ.
من ذلك يعلم الباحث أنّ الشريعة الإسلامية جاءت والعرب تظلم النساء، ولا تعطيهن من ميراث أزواجهن وآبائهن شيئا، بدعوى أنهنّ لا يقاتلن العدوّ، ولا يحزن الغنيمة، فقرّرت الشريعة بهذه الآية لهن حقا في الميراث، وكبر ذلك على العرب، فكانوا يودّون أن ينسخ ذلك الحكم، أو ينسى، لما أنه كان يخالف ما ألفوه، فقد روى ابن جرير «٢» عن ابن عباس قال : إنه لما نزلت الفرائض التي فرض اللّه فيها ما فرض للولد، الذكر والأنثى والأبوين، كرهها الناس أو بعضهم، وقالوا : تعطى المرأة الربع والثمن، وتعطى الابنة النصف، ويعطى الغلام الصغير، وليس من هؤلاء أحد يقاتل القوم، ولا يجوز الغنيمة، اسكتوا عن هذا الحديث لعلّ رسول اللّه ينساه، أو نقول له فيغيره، فقال بعضهم : يا رسول اللّه أنعطي الجارية نصف ما ترك أبوها، وليست تركب الفرس، ولا تقاتل القوم، ونعطي الصبيّ الميراث، وليس يغني شيئا؟ وكانوا
(٢) المرجع نفسه (٤/ ١٨٥).