ص : ٢٥٤
وأيضا لما سمى المرضعة أما، والمرضعة أختا، فقد نبه بذلك على أنه أجرى الرضاع مجرى النسب، وقد جاءت السنّة مؤكدة بصريح العبارة لهذا المفهوم،
فقد ثبت أن النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال :«يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب» «١».
وثبت في «الصحاح» «٢» عن علي أنه قال : قلت يا رسول اللّه مالك تنوّق في قريش وتدعنا؟
قال :«و عندكم شي ء»؟
قلت : نعم، ابنة حمزة فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم :«إنها لا تحلّ لي إنّها ابنة أخي من الرضاعة» وذلك لأنّ ثويبة أرضعت حمزة والنبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم.
وظاهر قوله : وَأُمَّهاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَواتُكُمْ مِنَ الرَّضاعَةِ يقتضي أنّ مطلق الرضاع محرّم، وبذلك قال مالك وأبو حنيفة.
وذهب الشافعي إلى أنه لا تحرّم إلا خمس رضعات، واستدل بما
رواه مسلم «٣» وغيره أن النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال :«لا تحرّم المصة ولا المصتان» «٤» «لا تحرّم الإملاجة ولا الإملاجتان» «٥»
وبما رواه مالك وغيره عن عائشة قالت : كان فيما أنزل من القرآن عشر رضعات معلومات، فنسخن بخمس معلومات، فتوفي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وهنّ مما يقرأ من القرآن.
وهذا الحديث الأخير لا يصحّ الاستدلال به، لاتفاق الجميع أنه لا يجوز نسخ تلاوة شيء من القرآن بعد وفاة الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم، ولا إسقاط شيء منه، وهذا الحديث يفيد أنه سقط شيء من القرآن بعد وفاته.
وأما الحديث الأول، فكان مقتضى مذهب الشافعي أن يحرّم بما زاد على الرضعتين، لأنه يقول بالمفهوم.
وقد رأى الحنفية أنه لا يجوز تخصيص آية التحريم هذه بخبر الواحد، لأنها محكمة، ظاهرة المعنى، بينة المراد، لم يثبت خصوصها بالاتفاق، وما كان هذا وصفه، فغير جائز تخصيصه بخبر الواحد ولا بالقياس.
(٢) رواه مسلم في الصحيح (٢/ ١٠٧١)، ١٧ - كتاب الرضاع، ٣ - باب تحريم ابنة الأخ من الرضاعة حديث رقم (١١/ ١٤٤٦).
(٣) رواه مسلم في الصحيح (٢/ ١٠٧٣)، ١٧ - كتاب الرضاع، باب في المصة والمصتان حديث رقم (١٧/ ١٤٥٠).
(٤) رواه مسلم في الصحيح (٢/ ١٠٧٤)، ١٧ - كتاب الرضاع، ٥ - باب في المصة والمصتان حديث رقم (١٨/ ١٤٥١).
(٥) رواه مالك في الموطأ كتاب الرضاع، باب ما جاء في الرضاعة حديث رقم (١٧).