ص : ٢٩
وَما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ الإذن هنا : العلم دون الأمر، وقيل :
المراد بالإذن التخلية، قال الحسن : من شاء اللّه منعه، فلا يضره السحر، ومن شاء خلّى بينه وبينه فضرّه.
وَيَتَعَلَّمُونَ ما يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ لأنهم يقصدون به الشرّ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَراهُ ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ أي لقد علم هؤلاء اليهود أنّ من استبدل ما تتلو الشياطين بكتاب اللّه ما له في الآخرة من نصيب.
وَلَبِئْسَ ما شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ أي باعوها. ولعل قائلا يقول : إنّ اللّه أثبت لهم العلم مؤكدا بقوله : وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَراهُ ثم نفاه عنهم بقوله : لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ.
والجواب : أنّ المراد لو كانوا يعملون بعلمهم، جعلهم حين لم يعملوا به كأنّهم غير عالمين. وقيل : إن العلم علمان : علمّ يقيني متسلط على النفس فلا تعلم إلا بمقتضاه، وعلم ليست له هذه السلطة على النفس، فتتصرف النفس على خلافه، والمنفي عنهم هو الأول، والمثبت لهم هو الثاني، فلا منافاة.
وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (١٠٣) المثوبة : مصدر من قول القائل : أثبتك إثابة، وثوابا ومثوبة. وأصل ذلك ثاب الشيء بمعنى رجع. ثم يقال : أثبته إليك أي رجّعته ورددته، وكان معنى إثابة الرجل على الهدية وغيرها أن يرجع إليه منها بدلا، وأن يردّ عليه منها عوضا، ثم جعل كل معوّض غيره من عمله، أو هديته. أو يد سلفت منه إليه، مثيبا له : ومنه ثواب اللّه عباده على أعمالهم، بمعنى إعطائه إياهم العوض والجزاء حتى يرجع إليهم بدل عملهم الذي عملوه.
المعنى : ولو أنهم آمنوا بمحمد والقرآن، واتقوا ربهم فخافوا عقابه فأطاعوه بأداء فرائضه، وتجنبوا معاصيه، لكان جزاء اللّه إياهم، وثوابه لهم على إيمانه به وتقواهم خيرا لهم من السحر ومما اكتسبوا. ويقال في نفي العلم عنهم هنا كما قيل هناك.
وقد أجاز الزمخشري «١» أن تكون (لو) للتمني على سبيل المجاز عن إرادة اللّه إيمانهم واختيارهم له. كأنه قيل : وليتهم آمنوا. ثم ابتدئ : لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ.
وقال بعضهم : إن قوله تعالى لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ ليس هو الجواب، وإنما هو دالّ على الجواب، والجواب محذوف تقديره : لأثيبوا.

(١) انظر تفسير الكشاف للزمخشري (١/ ١٧٤).


الصفحة التالية
Icon