ص : ٣٠٠
قال اللّه تعالى : إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها وَإِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كانَ سَمِيعاً بَصِيراً (٥٨)
الأمانة مصدر سمّي به المفعول وهو ما يؤتمن عليه.
روي في سبب نزول هذه الآية أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لما دخل مكة يوم الفتح أغلق عثمان بن طلحة بن عبد الدار باب الكعبة، وكان سادنها. وصعد إلى السطح، وأبى أن يدفع المفتاح إليه، وقال : لو علمت أنه رسول اللّه لم أمنعه، فلوى علي بن أبي طالب يده، وأخذ منه المفتاح، وفتح، ودخل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وصلّى ركعتين، فلما خرج سأله العباس أن يعطيه المفتاح، ويجمع له السقاية والسدانة فنزلت هذه الآية، فأمر النبيّ عليا أن يرده إلى عثمان، ويعتذر إليه، فقال عثمان لعلي : أكرهت وآذيت ثم جئت ترفق! فقال : لقد أنزل اللّه في شأنك قرآنا، وقرأ عليه الآية، فقال عثمان : أشهد أن لا إله إلا اللّه وأنّ محمدا رسول اللّه، فهبط جبريل عليه السلام وأخبر النبي صلّى اللّه عليه وسلّم أنّ السدانة في أولاد عثمان أبدا «١».
نزلت الآية على هذا السبب الخاص، وليس ذلك بمخرج اللفظ عن عمومه، فهو عام يتناول كل ما يؤتمن عليه الإنسان، سواء أكان ذلك في حق نفسه أم في حق غيره من العباد، أم في حق ربه، فكلّ ذلك يجب رعاية الأمانة فيه، فرعاية الأمانة فيما هو من حقوق اللّه أن تمتثل أوامره. وتجتنب نواهيه، قال ابن مسعود رضي اللّه عنه :
الأمانة في كل شيء لازمة، في الوضوء والجنابة والصلاة والزكاة والصوم.
وقال ابن عمر رضي اللّه عنه : خلق اللّه فرج الإنسان وقال : هذا أمانة خبأتها عندك، فاحفظها إلا بحقها.
وأما رعاية الأمانة في حقّ النفس، فهو ألا يقدم الإنسان إلا على ما ينفعه في الدنيا والآخرة، وفي هذا
يقول الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم :«كلكم راع وكلّكم مسؤول عن رعيته» «٢».
وأما رعاية الأمانة في حقّ الغير فهو رد الودائع والعارية، وعدم غش الناس في كل ما يتصل بالمعاملة، من بيع وشراء، وجهاد ونصيحة، وألا يفشي عيوب الناس، وينشر الفاحشة.
(٢) رواه البخاري في الصحيح (١/ ٢٤٢)، ١١ - كتاب الجمعة، ١١ - باب الجمعة حديث رقم (٨٩٣)، ومسلم في الصحيح (٣/ ١٤٥٩)، ٣٣ - كتاب الإمارة، ٥ - باب فضيلة الإمام حديث رقم (٢٠/ ١٨٢٩). [.....]