ص : ٣٢٢
وقد روي في السنة ما يوافق قول ابن أبي ليلى.
روى عكرمة عن ابن عباس قال : خرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في غزاة فلقي المشركين بعسفان، فلما صلّى الظهر فرأوه يركع ويسجد هو وأصحابه، قال بعضهم لبعض يومئذ : كان فرصة لكم، لو أغرتم عليه ما علموا بكم حتى تواقعوهم، قال قائل منهم : فإنّ لهم صلاة أخرى أحبّ إليهم من أهلهم وأموالهم، فاستعدوا حتى تغيروا عليهم فيها، فأنزل اللّه عزّ وجلّ : وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ الآية، وأعلمه ما ائتمر به المشركون. فلما صلّى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم العصر، وكانوا قبالته في القبلة، فجعل المسلمين خلفه صفين، فكبر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فكبروا جميعا، ثم ركع وركعوا معه جميعا، فلما سجد سجد معه الصف الذين يلونه، وقام الصف الذين خلفهم مقبلين على العدو، فلما فرغ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم من سجوده، وقام، سجد الصف الثاني، ثم قاموا وتأخر الذين يلون رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وتقدم الآخرون، فكانوا يلون رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فلما ركع ركعوا معه جميعا، ثم رفع فرفعوا معه، ثم سجد فسجد معه الذين يلونه، وقام الصف الثاني مقبلين على العدو، فلما فرغ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم من سجوده، وقعد الذين يلونه، سجد الصف المؤخّر، ثم قعدوا فتشهدوا مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم جميعا فلما سلّم سلّم عليهم جميعا، فلما نظر إليهم المشركون يسجد بعضهم ويقوم بعض ينظر إليهم قالوا : قد أخبروا بما أردنا.
٣ - وقال مالك رضي اللّه عنه : يتقدم الإمام بطائفة، وطائفة بإزاء العدوّ، فيصلّي بالتي معه ركعة وسجدتين، ويقوم قائما، وتتمّ الطائفة التي معه لأنفسها ركعة أخرى، ثم يتشهدون، ويسلّمون، ثم يذهبون إلى مكان الطائفة التي لم تصلّ، فيقومون مكانهم، وتأتي الطائفة الأخرى، فيصلّي بهم ركعة وسجدتين، ثم يتشهدون، ويسلّم، ويقومون، فيتمّون لأنفسهم الركعة التي بقيت.
٤ - وقال الشافعي رضي اللّه عنه مثل قول مالك إلا أنه قال : لا يسلّم الإمام حتى تتمّ الطائفة الثانية لأنفسها، ثم يسلّم معهم، قال ابن القاسم : وكان مالك يقول بهذا لحديث رومان، ثم رجع عنه إلى حديث القاسم، وفيه أنّ الإمام يسلّم، ثم تقوم الطائفة الثانية فيقضون.
أما حديث رومان الذي أشرنا إليه فهو ما روى يزيد عن رومان عن صالح بن خوّات مرسلا عن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم «١»، وذكر فيه أنّ الطائفة الأولى صلت الركعة الثانية قبل أن يصليها النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم.

(١) رواه البخاري في الصحيح (٥/ ٦٢)، ٦٤ - كتاب المغازي، ٣٢ - باب غزوة ذات الرقاع حديث رقم (٤١٢٩)، ومسلم في الصحيح (١/ ٥٧٥)، ٦ - كتاب صلاة المسافرين، ٥٧ - باب صلاة الخوف حديث رقم (٣١٠/ ٨٤٢).


الصفحة التالية
Icon