ص : ٣٢٥
الأولى لنفسها، وتجيء الثانية على ما بينهما من خلاف في سلام الإمام.
واختلفوا أيضا في الصلاة حال اشتباك القتال أتجوز أم لا؟ فقال الحنفية : لا صلاة حال اشتباك القتال، فإن قاتل فيها فسدت صلاته. وقال مالك : يصلي بالإيماء إذا لم يقدر على الركوع والسجود. وقال الشافعي : لا بأس أن يضرب الضربة، ويطعن الطعنة، فإن تابع الضرب والطعن فسدت صلاته، والأدلة تلتمس في غير الآية.
قال اللّه تعالى : فَإِذا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً (١٠٣) يقول اللّه تعالى : فإذا فرغتم أيها المؤمنون من صلاتكم التي بينا لكم كيفيتها، فاذكروا اللّه قياما وقعودا ومضطجعين على جنوبكم، واذكروه معظمين خاشعين، سائليه النصر والظفر، فإنه الذي بيده النصر، وهو القادر على كل شي ء، ومثل هذا في المعنى قوله تعالى : فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِياماً وَقُعُوداً.
وقد طلب اللّه تعالى من عباده أن يذكروه دائما، والذكر أداة الفلاح، إذ هو وسيلة الخشية، ومتى وجدت الخشية وجدت الطاعة، واجتنبت المعصية، وذلك هو الفوز والسعادة.
روى ابن جرير «١» عن ابن عباس في قوله تعالى : فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِياماً وَقُعُوداً أنه كان يقول : لا يفرض اللّه على عباده فريضة إلا جعل لها جزاء معلوما، ثم عذر أهلها في حال غير الذكر، فإنّ اللّه لم يجعل له حدا ينتهي إليه. ولم يعذر أحدا في تركه إلا مغلوبا على عقله، فقال : فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِكُمْ بالليل والنهار، في البر والبحر، وفي السفر والحضر، والغنى والفقر، والسقم والصحة، والسر والعلانية، وعلى كل حال.
وقيل : إنّ معنى الآية : إن أردتم أداء الصلاة، واشتد الخوف إذا اشتبكتم في القتال، فصلوا كيفما كان. وهذا يوافق ما ذهب إليه الشافعيّ، رضي اللّه عنه من وجوب الصلاة حال المحاربة، وعدم جواز تأخيرها عن الوقت، وأنت ترى أنّ ذلك بعيد من لفظ قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ.
فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ أي أقمتم، وهو مقابل لقوله : وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ سميت الإقامة طمأنينة لما فيها من السكون والاستقرار، ويصح أن يكون المراد فإذا أمنتم وزال عنكم الخوف الذي ترتب عليه قصر صفة الصلاة وهيئتها.
فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ أدوها على وجهها الذي كانت عليه قبل هذا، وأتموها، وعدّلوا أركانها، وراعوا شروطها، وحافظوا على حدودها.