ص : ٣٤٨
باشتماله على الفرائض المقدسة، والحلال والحرام بالتنصيص على أصول العقائد، والتوقيف على أساس التشريع وقوانين الاجتهاد، نحو : قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (١) [الإخلاص : ١] لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [الشورى : ١١] عالِمِ الْغَيْبِ لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقالُ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ [سبأ : ٣] ونحو إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ [النحل : ٩٠] وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذا عاهَدْتُمْ [النحل : ٩١] وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ [آل عمران : ١٥٩] ونحو وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها [الشورى : ٤٠].
وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ.
وأما إتمامه في ظهوره فكان بإعلاء كلمته، وغلبته على الأديان كلها، وموافقته للمصالح العامة، حتى إنّ كثيرا ممن لم يعتنقوا الدين الإسلامي يقتبسون منه ما يصلح أحوالهم، ويعين على ضبط أمورهم، وتدبير شؤونهم.
وقد تمسّك بعضهم بقوله تعالى : الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ في نفي القياس، وبطلان العمل به، لأنّ إكمال الدين يقتضي أنه تعالى نصّ على أحكام جميع الوقائع، إذ لو بقي بعض لم يبيّن حكمه لم يكن الدّين كاملا.
وأجيب بأنّ غاية ما يقتضيه كمال الدين أن يكون اللّه تعالى قد أبان الطريق لجميع الأحكام، وقد أمر اللّه بالقياس، وتعبّد المكلفين به في مثل قوله تعالى :
فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ [الحشر : ٢] فكان هذا مع النصوص الصريحة بيانا لكلّ أحكام الوقائع غاية الأمر أنّ الوقائع صارت قسمين : قسم نص اللّه تعالى على حكمه وقسم أرشد اللّه تعالى إلى أنّه يمكن استنباط الحكم فيه من القسم الأول، فلم تصلح الآية متمسكا لهم.
وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي بالإكمال في الدين والشريعة بما فتح اللّه عليكم من دخول مكة آمنين مطمئنين، ومن انقياد الناس لكم وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً أي اخترته لكم دينا، تأتمرون بأوامره، وتنتهون بنواهيه، بحيث لا أقبل منكم غيره كما قال تعالى :
وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ [آل عمران : ٨٥].
فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ المخمصة المجاعة قال أهل اللغة : الخمص والمخمصة خلو البطن من الطعام عند الجوع، وأصله من الخمص الذي هو ضمور البطن، وهذه الجملة متصلة بذكر المحرّمات، وقوله :
ذلِكُمْ فِسْقٌ إلى قوله : دِيناً اعتراض أكّد به معنى التحريم، فإنّ منع الناس عن هذه الخبائث من جملة الدين الكامل، والنعمة التامة، والإسلام الذي هو الدين المرضي عند اللّه تعالى فَمَنِ اضْطُرَّ ألجأه الاضطرار وأصابه الضر فِي مَخْمَصَةٍ أي مجاعة، فتناول من المحرمات شيئا غَيْرَ مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ أي غير مائل لإثم، وغير