ص : ٣٥٠
والمكلبون جمع مكلّب، وهو الذي يؤدّب الكلاب وغيرها، ويعلمها أن تصيد لأصحابها، وإنما اشتق الاسم من الكلب مع أنه يعلّم الكلاب والبزاة وغيرها، لأنّ التأديب أكثر ما يكون في الكلاب، فكلّ ما يصاد به من السبع والكلب والصقر والبازي يحل أكل صيوده، وإن لم تدرك ذكاتها، وهو مذهب الجمهور، وقيل : لا يحل إلا ما صاده الكلاب تمسّكا بقوله تعالى : مُكَلِّبِينَ.
وتمسك الجمهور بعموم قوله تعالى : وَما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ فإنه يشمل الكلاب وغيرها، غاية الأمر أنه يحتاج إلى نكتة للتعبير بقوله : مُكَلِّبِينَ وقد علمت النكتة مما تقدم على أنّ كل سبع قد يسمّى كلبا، كما
ورد أنه عليه الصلاة والسلام قال في ابن أبي لهب «اللهم سلّط عليه كلبا من كلابك» «١»
فأكله الأسد في طريقه إلى الشام.
هذه الآية وردت لذكر المحللات بعد ذكر المحرمات، كأنه لما تلا لهم ما حرّمه عليهم من خبيثات المآكل، سألوا عما أحلّ لهم فنزلت الآية، وروي أنه قدم عدي بن حاتم، وزيد بن المهلهل الطائيان على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وقالا : إنا قوم نصيد بالكلاب والبزاة فما يحل فنزلت الآية. وروي أيضا عن أبي رافع أنه قال أمرني رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أن أقتل الكلاب. فقال الناس : يا رسول اللّه ما الذي أحل لنا من هذه الأمة التي أمرت بقتلها؟ فنزلت «٢».
والمعنى : يقول لك قومك مع تعدّد فرقهم واختلاف مقاصدهم : ماذا أحلّ لنا، فقل لهم بالنسبة للطائفة الأولى : أحل لكم الطيبات، أي كل ما يستلذ وتشتهيه النفوس المعتدلة، فالمراد الاستطابة عند أهل المروءة والرزانة والأخلاق الجميلة الهادئة، لا ما يعم ممن سقطت مروءتهم وقست قلوبهم، وتمردوا في أفكارهم، فإنّ أهل البادية ومن سقطت مروءتهم يستطيبون أكل جميع الحيوانات، فلا عبرة بهم، والذي يستطاب عند أهل المروءة حلال متى اقترن بشرطه، كالذكاة وذكر اسم اللّه عليه، ولو زعم بعض الناس تحريمه كالبحيرة والسائبة والوصيلة والحام فهي مما يستطاب ويحل.
وقل لهم بالنسبة للطائفتين الثانية والثالثة : أحل لكم ما علّمتم من الجوارح، والحل هنا يتعلق بالحيوانات المعلّمة نفسها أي يحل لكم اقتناؤها، وبيعها، وهبتها يؤيد ذلك رواية أبي رافع، لكن يستثنى من الحل أكلها، فإنّ الدليل ورد بتحريمه.
ويتعلق أيضا بصيودها، يؤيد ذلك قوله تعالى : فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ ورواية عدي بن حاتم وزيد بن المهلهل المتقدمة.
(٢) رواه ابن جرير الطبري في تفسيره جامع البيان (٦/ ٥٧).