ص : ٣٥٤
وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ سيقت هذه الجملة للتحذير من المخالفات وللترغيب فيما تقدم من الأحكام، أي ومن يكفر بشرائع اللّه وتكاليفه فقد خاب في الدنيا والآخرة.
أما في الدنيا فباعتبار أن جميع أعماله حابطة ولاغية، لا فائدة فيها، وهو في ذلك معرّض للإذلال بالسيف حتى يسلم، أو يعطي الجزية عن يد وهو صاغر، وأما في الآخرة فهو هالك بنيران حامية مشتعلة، لا طاقة لأحد بها.
أطلق الإيمان وأراد المؤمن به مجازا، وقيل : المراد ومن يكفر برب الإيمان، فهو مجاز بالحذف.
الأحكام
يؤخذ من الآية ما يأتي :
١ - إباحة الطيبات من الرزق.
٢ - إباحة الأكل من ذبائح أهل الكتاب.
٣ - إباحة إطعام أهل الكتاب من طعام المسلمين.
٤ - إباحة نكاح المحصنات المؤمنات والمحصنات الكتابيات.
٥ - عدم الاعتداد بالأعمال إذا كان العامل جاحدا أحكام اللّه وشرائعه.
قال اللّه تعالى : يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ ما يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٦) للإنسان شهوات يجب أن يتمتع بها، وعليه واجبات يتحتم أن يؤديها، وأغلب شهواته منحصرة في المطعومات والمناكحات، ولمّا تفضل اللّه تعالى على الإنسان ببيان ما أحلّه وما حرّمه من المطاعم والمناكح شرع في بيان ما يجب عليه أداؤه للّه تعالى، ليكون القيام بما وجب عليه شكرا له تعالى على ما أنعم به عليه فقال : يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إلخ.
والمراد بالقيام إلى الصلاة إرادة القيام إليها من إطلاق المسبب وإرادة السبب، وإنما وجب تأويل القيام بإرادته لأنه لو بقي على حقيقته لزم تأخير الوضوء ووجوبه عن القيام إلى الصلاة، والاشتغال بها، وهو باطل بالإجماع، وليس المراد بالقيام انتصاب القامة، وإنما المراد به الاشتغال بأعمال الصلاة، أي إذا أردتم ذلك فاغسلوا إلى آخره.