ص : ٣٥٧
بين وجودها في مثل هذا التركيب وعدم وجودها، لأنّك إذا قلت مسحت يدي بالحائط كان المفهوم مسح اليد ببعض الحائط لا بجميعه، وإذا قلت مسحت الحائط بيدي كان المفهوم مسح جميع الحائط، ومتى ظهر الفرق بين إدخال الباء وبين إسقاطها وجب أن يحمل قوله :
وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ على بعض الرأس وفاء بحق الحرف.
إلا أن الحنفية استندوا في تقدير البعض بثلاث أصابع على رأي، وبربع الرأس على رأي آخر إلى ما رواه المغيرة بن شعبة كما تقدم.
وأما الشافعية فقالوا : إن أقل ما ينطبق عليه اسم المسح داخل بيقين، وما عداه لا يقين فيه، فلا يكون فرضا.
وقوله : وَأَرْجُلَكُمْ بالنصب معطوف على وجوهكم، فيجب غسل الأرجل إلى الكعبين، يؤيّد ذلك عمل النبي صلّى اللّه عليه وسلّم وعمل أصحابه في حياته وبعد مماته، فكان الحكم مجمعا عليه.
وأما قراءة الجر فمحمولة على الجوار، كما في قوله في سورة هود إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ [هود : ٢٦] بجر الميم لمجاورة يوم المجرور، وفائدة الجر للجوار هنا في قوله : وَأَرْجُلَكُمْ التنبيه على أنه ينبغي الاقتصاد في صب الماء على الأرجل، وخص الأرجل بذلك لأنها مظنة الإسراف، لما يعلق بها من الأدران.
والكعبان تثنية الكعب، وهو العظم الناتئ بين الساق والقدم، ولكل رجل كعبان يجب غسلهما.
وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا أصل الفعل تطهّروا، أدغمت التاء في الطاء فسكنت، فأتى بالهمزة، أي فاغسلوا بالماء أبدانكم جميعها، فإنّ الأمر بالتطهير لما لم يتعلق بعضو دون عضو كان أمرا بتحصيل الطهارة في كل البدن، يدل على ذلك أنّ الوضوء لما تعلّق بعضو دون عضو نص اللّه تعالى في الأمر به على تلك الأعضاء التي أوجب غسلها، وإنما حملت الطهارة بالماء لأنّ الماء هو الأصل فيها، كما يشير قوله تعالى :
وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ [الأنفال : ١١].
والجنابة معنى شرعي يستلزم اجتناب الصلاة وقراءة القرآن ومس المصحف ودخول المسجد إلى أن يغتسل الجنب. وقد بيّن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم لحصول الجنابة سببين :
الأول : نزول المني،
فإنه عليه الصلاة والسلام يقول في هذا الشأن «الماء من الماء» «١»
أي يجب استعمال الماء للغسل من أجل الماء، أي المني.

(١) رواه مسلم في الصحيح (١/ ٢٦٩)، ٣ - كتاب الحيض، ٢١ - باب إنّما الماء من الماء حديث رقم (٨٠/ ٣٤٣).


الصفحة التالية
Icon