ص : ٣٦
قال :«كان فيما نزل من القرآن الشّيخ والشّيخة إذا زنيا فارجموهما» «١» وقد نسخت التلاوة وبقي الحكم.
وقد يكون النسخ للحكم مع بقاء التلاوة، وهو كثير. كآية الوصية، وآية العدة وتقديم الصدقة عند مناجاة الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم.
وقد يكون النسخ للحكم والتلاوة معا، كما روي عن عائشة رضي اللّه عنها «كان فيما نزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرّمن ثم نسخ بخمس رضعات معلومات يحرّمن» «٢» والجزء الأول منسوخ الحكم والتلاوة، والجزء الثاني وهو الخمس منسوخ التلاوة باقي الحكم عند الشافعية.
ثم إنّ الخلاف في أنّ القرآن ينسخ بغير بالقرآن، والخبر المتواتر بغير المتواتر أو لا؟
فقد منع الشافعي رضي اللّه عنه نسخ القرآن بغير القرآن مستدلا بهذه الآية نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها ودلالتها من وجوه :
الأول : أنه قال (نأت) وأسند الإتيان إلى نفسه، وهو لا يكون إلا إذا كان الناسخ قرآنا.
الثاني : أنه قال :(بخير) ولا يكون الناسخ خيرا إلا إذا كان قرآنا.
والثالث : أنه قال : أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ويدخل في ذلك النسخ، بل إنما سيقت الآية له، فالنسخ لا بد أن يكون للّه.
والرابع : وهو أقوى أدلته قوله تعالى : وَإِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ إلى آخر الآية [النحل : ١٠١] حيث أسند التبديل إلى نفسه وجعله في الآيات.
وهو استدلال غير واضح، فإنّه لا معنى لأن يكون لفظ الآية خيرا من لفظ آية أخرى، إنما الخيرية تكون بين الأحكام، فيكون الحكم الناسخ خيرا من الحكم المنسوخ بحسب ما علم اللّه من اشتماله على مصالح العباد بحسب أوقاتها وملابساتها، وإذا كان الأمر كذلك فالمدار على أن يكون الحكم الناسخ خيرا، أيّا كان الناسخ قرآنا أو سنة، والكل من عند اللّه، وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى (٣) [النجم : ٣].
على أنه قد وقع نسخ القرآن في آية الوصية
بحديث «لا وصية لوارث»
، وتمام البحث مستوفى في علم الأصول.
بقي أن يقال : إن تعريف النسخ الذي ذكرتموه لا يتناول نسخ التلاوة فنقول : إن التعبد بالتلاوة حكم من الأحكام.
(٢) رواه مسلم في الصحيح (٢/ ١٠٧٥)، ١٧ - كتاب الرضاع، ٦ - باب التحريم بخمس حديث رقم (٢٤/ ١٤٥٢).