ص : ٣٦١
تمكنا حسيا من استعماله من غير ضرر، وينبني على هذا الخلاف أنّ من وجد الماء وهو في الصلاة يتمادى ولا يقطع الصلاة عند المالكية، لأنه لا يتمكن شرعا من استعماله من غير إبطال الصلاة، وهو لا يجوز له أن يبطل الصلاة، وعند الحنفية يبطل تيممه، فتبطل الصلاة ويجب استعمال الماء.
وإطلاق الماء يدل على عدم جواز التيمم عند وجود الماء الذي تغيّر بطول المكث، فإنه لم يخرج عن أنه ماء.
والمراد لم تجدوا ماء كافيا للوضوء أو للغسل، فلو وجد ماء كافيا لبعض الوضوء أو للغسل يتيمم عند الحنفية والمالكية، ولا يستعمل الماء في شيء من أعضائه.
وعند الشافعية والحنابلة : يستعمل الماء في بعض الأعضاء، ثم يتيمم، لأنه لا يعدّ فاقدا للماء مع وجود هذا القدر.
فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ تقدّم أنّ الصعيد : هو التراب على القول المختار الظاهر.
والتيمم المطلوب شرعا هو استعمال الصعيد في عضوين مخصوصين على قصد التطهير، والعضوان هما : الوجه واليدان إلى المرفقين عند الحنفية، وهو أرجح القولين عند الشافعية وإلى الرسغين عند المالكية والحنابلة.
وحجة الحنفية أن الأيدي في قوله : وَأَيْدِيَكُمْ تشمل العضو كله إلا أنّ التيمم بدل عن الوضوء، والبدل لا يخالف الأصل إلا بدليل، وقد جعل المرفق غاية في الأصل، فليكن غاية في البدل بدلالة النص، وأنه
روى جابر بن عبد اللّه أنّ النبي صلّى اللّه عليه وسلّم قال :«التيمم ضربتان، ضربة للوجه، وضربة للذّراعين إلى المرفقين».
وكان مقتضى التعبير بالباء في قوله : فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ جواز مسح بعض الوجه كما سبق مثله في وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ إلا أن الحنفية والشافعية أوجبوا الاستيعاب لما روي عن عبد اللّه بن عمر، وجابر بن عبد اللّه أنهما حكيا تيممه عليه الصلاة والسلام، وفيه استيعاب الوجه واليدين إلى المرفقين، ولأنّ التيمم بدل عن الوضوء، والاستيعاب في الأصل واجب، فيكون البدل كذلك ما لم يدل دليل على خلافه، ولم يوجد.
واختلف الفقهاء في لزوم إيصال التراب إلى الوجه واليدين وعدمه، فقال الحنفية والمالكية : لا يلزم، وقال الشافعية : يلزم، وسبب اختلافهم الاشتراك الواقع في حرف (من) في قوله : فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ فإنّها ترد للتبعيض، وترد للابتداء، وتمييز الجنس، فرجّح الشافعية حملها على التبعيض من جهة قياس التيمم على الوضوء، وفي الوضوء يجب استعمال بعض الماء، فيجب في التيمم استعمال بعض التراب.