ص : ٣٦٤
وأما الثاني : فالظاهر أن المراد بالميثاق المواثيق التي جرت بينه عليه السلام وبين المؤمنين ليكونوا على السمع والطاعة في المحبوب والمكروه، مثل مبايعته الأنصار ليلة العقبة، ومبايعته عامة المؤمنين تحت الشجرة، وهي بيعة الرضوان، وغيرهما من المواثيق التي أعطى فيها المؤمنون العهد بالسمع والطاعة في حالتي اليسر والعسر، وإنما أضيف الميثاق إليه تعالى مع أنه كان الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم، لأنّ اللّه تعالى هو المرجع، كما أشير إلى ذلك بقوله تعالى : إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ [الفتح : ١٠] وبقوله : مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ [النساء : ٨٠].
ثم إنّه تعالى أكد على المؤمنين وجوب العمل بهذه المواثيق، فذكّرهم بأنهم التزموها وقبلوها، وقالوا : سمعنا وأطعنا، ثم حذرهم من نقضها ونسيان النعم بقوله :
وَاتَّقُوا اللَّهَ أي اتخذوا وقاية من عذاب اللّه الذي أعدّه لمن نقض العهد أو جحد النعم ولم يشكر اللّه عليها إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ أي بخفيات الأمور الكامنة في الصدور، المستقرة فيها استقرارا يصحح إطلاق اسم الصاحب عليها، وكما يعلم اللّه خفيات الأمور يعلم جليات الأمور من باب أولى، وهذه الجملة تعليل لقوله : وَاتَّقُوا اللَّهَ.
الأحكام
يؤخذ من الآية ما يأتي :
١ - وجوب تذكّر نعم اللّه التي يتمتع بها المرء مع اعتقاد أنها بتيسير اللّه ومحض إحسانه، لينشط في واجب الشكر عليها.
٢ - وجوب الوفاء بالعهود والمواثيق التي يفيد تنفيذها في الصالح العام وخير المجتمع.
٣ - وجوب تقوى اللّه فيما أمر به ونهى عنه.
قال اللّه تعالى : يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَداءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (٨) لما ذكر اللّه تعالى المؤمنين في الآية السابقة بما يوجب عليهم الانقياد لأوامره ونواهيه أقبل عليهم يخاطبهم، ويطالبهم بالانقياد لتكاليفه، سواء منها ما تعلق بجانبه تعالى وما تعلق بجانب عباده فقال : يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ أي قوموا قياما كثير العد للّه تعالى بالحق في كل ما يلزمكم القيام به من الأمر بالمعروف والعمل به، والنهي عن المنكر واجتنابه.
وكونوا شُهَداءَ بِالْقِسْطِ أي أدوا الشهادات في حقوق الناس بالعدل كما في قوله تعالى : كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ أي شُهَداءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلى أَنْفُسِكُمْ [النساء : ١٣٥].


الصفحة التالية
Icon