ص : ٣٦٧
ورسوله، فيكون نظير قوله تعالى : إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ [الأحزاب : ٥٧].
والمحاربون هم الذين يجتمعون بقوة وشوكة يحمي بعضهم بعضا، ويقصدون المسلمين، أو أهل الذمة في أرواحهم وأموالهم.
والسعي في الأرض بالفساد عبارة عن إخافة الطرق بحمل السلاح، وإزعاج الناس، سواء أصحبه قتل النفوس وأخذ الأموال أم لا.
واتفق العلماء على أنّ هذه الحالة إذا حصلت في الصحراء كانوا قطّاع الطريق، وأما إذا حصلت في المصر ففيها الخلاف، فقال أبو حنيفة : لا يكون قاطعا للطريق، لأنّ المجني عليه يلحقه الغوث في الغالب، فلا يتمكن المجتمعون من المقاتلة، وروي عن مالك أنه لا يكون محاربا حتى يقطع على ثلاثة أميال من القرية، وروي عنه أيضا إذا كابر في المصر باللصوصية كان محاربا، تجري عليه أحكام قطاع الطريق، وهو مذهب الإمام الشافعي، لإطلاق قوله تعالى : إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إلخ.
واختلفوا في الحكم المستفاد من هذه الآية، فقال قوم من السلف : الآية تدل على التخيير بين هذه الأجزية، فمتى خرجوا لقطع الطريق وقدر عليهم الإمام خيّر بين أن يجري عليهم أيّ نوع من هذه الأحكام، وإن لم يقتلوا ولم يأخذوا مالا، وإلى هذا ذهب سعيد بن المسيب ومجاهد والحسن وعطاء بن أبي رباح وهو مذهب المالكية.
وقال قوم آخرون من السلف : الآية تدل على ترتيب الأحكام وتوزيعها على ما يليق بها من الجنايات، فمن قتل وأخذ المال قتل وصلب، ومن اقتصر على أخذ المال قطّعت يده ورجله من خلاف، ومن أخاف السّبل ولم يقتل ولم يأخذ مالا نفي من الأرض، وهو ما رواه عطاء عن ابن عباس، وذهب إليه قتادة والأوزاعي، وهو مذهب الشافعية والصاحبين من الحنفية وأكثر العلماء.
وأبو حنيفة يحمل الآية على التخيير، لكن لا في مطلق المحارب، بل في محارب خاص، وهو الذي قتل النفس وأخذ المال، فالإمام مخيّر في أمور أربعة :
إن شاء قطع أيديهم وأرجلهم من خلاف وقتلهم.
وإن شاء قطع أيديهم وأرجلهم وصلبهم.
وإن شاء صلبهم فقط.
وإن شاء قتلهم فقط. ولا يجوز إفراد القطع في هذه الحالة، بل لا بدّ من انضمام القتل أو الصلب إليه، لأنّ الجناية قتل وأخذ مال، والقتل وحده فيه القتل، وأخذ المال وحده فيه القطع، ففيهما مع الإخافة والإزعاج لا يعقل القطع وحده، هذا مذهب الإمام أبي حنيفة.
وقال صاحباه : في هذه الصورة يصلّبون ويقتلون ولا يقطعون، واتفق أبو حنيفة