ص : ٣٧٠
الخزي في الدنيا أعظم من عذابها، والعذاب في الآخرة أشد من خزيها.
ويؤخذ من الآية أن الحدود لا تسقط العقوبة في الآخرة حيث قال : وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ فالحدود من الزواجر لا من الجوابر، كما هو صريح الآية، وقيل : إن الحدود تجبر الذنوب وتكفرها، بدليل
قوله عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح «من أصاب من هذه المعاصي شيئا فعوقب به في الدنيا فهو كفارة له، ومن أصاب منها شيئا فستره اللّه فهو إلى اللّه، إن شاء عفا عنه، وإن شاء عاقبه» «١».
وأجيب عن الحديث بأن الآية قطعية فيجب أن يقيّد الحديث الذي هو ظني بما لا يتنافى مع الآية، وقد قالوا : يجب حمل الحديث على ما إذا تاب عن الذنب، فتوبته تكفّر إثم الجريمة، وإنما أضاف الكفارة إلى العقاب في الحديث باعتبار أنّ الظاهر أن من يقع في يد الحاكم، ويرى أنّ الحد واقع عليه لا محالة يندم على ما فعل، ويتوب منه، فيكفّر اللّه عنه إثم الجريمة، فيكون العقاب سببا في الكفارة بواسطة.
إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ استثناء لإخراج بعض ما تناول اللفظ، ولكنّه مخصوص بما هو من حقوق اللّه تعالى كما يدل عليه قوله تعالى : فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ أما ما هو من حقوق الأولياء من قصاص أو مظلمة في مال أو غيره فهو ثابت لهم، إن شاؤوا عفوا، وإن شاؤوا استوفوا.
والمراد أنّ التوبة قبل القدرة عليهم لا تسقط عنهم القتل حدا، الذي من آثاره أنه ينفّذ عليهم ولو عفا الأولياء، ولا تسقط عنهم القتل قصاصا، الذي أمره مفوّض إلى رأي الأولياء، إن شاؤوا عفوا، وإن شاؤوا استوفوا.
والمراد أنّ التوبة قبل القدرة عليهم لا تسقط عنهم القتل حدا، الذي من آثاره أنه ينفّذ عليهم ولو عفا الأولياء، ولا تسقط عنهم القتل قصاصا، الذي أمره مفوّض إلى رأي الأولياء، إن شاؤوا عفوا، وإن شاؤوا استوفوا.
قال اللّه تعالى : يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٣٥) سبق هذه الآية بيان خطر القتل والفساد وحكمهما، والإشارة إلى الغفران للتائبين، فكان من المناسب أن يأمر اللّه المؤمنين أن يتقوه في كل ما يأتون وما يذرون، فيتركوا المعاصي ومن جملتها القتل والفساد، ويفعلوا الطاعات ومنها السعي في إحياء النفوس، ودفع الفساد، والمسارعة إلى التوبة والاستغفار. فقال جلّ شأنه :
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ.
ثم قال : وَابْتَغُوا أي اطلبوا لأنفسكم إِلَيْهِ أي إلى ثوابه ورضاه الْوَسِيلَةَ أي افعلوا الطاعات، واتركوا ما نهاكم عنه، فذلكم وحده هو الطريق