ص : ٣٨٨
الوسط. وقدّره الشافعية بمدّ لكل مسكين، والحنفية قدّروه بما يجب في صدقة الفطر.
والجار والمجرور مِنْ أَوْسَطِ متعلّق بمحذوف صفة لمصدر محذوف، أي إطعاما كائنا من أوسط.
أَوْ كِسْوَتُهُمْ عطف على (إطعام) إما باعتبار أن الكسوة مصدر، أو على إضمار مصدر.
أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ وقد اشترط الشافعية فيها الإيمان، لأنّ النص لم يقيّد هنا، وقيّد في مواضع أخر كالقتل مثلا، فدل ذلك على أنّ القيد حيث وجد فهو مقصود.
والحنفية لا يرون هذا.
إلى هنا نصّت الآية الكريمة على أنّ كفارة اليمين الإطعام، أو الكسوة، أو التحرير.
وقد اختلف العلماء في متعلّق خطاب التكليف، فذهب بعض المعتزلة إلى أنّ الواجب الجميع، ويسقط بالبعض.
وقيل : الواجب واحد بعينه عند اللّه، ويتعين بفعل المكلف، فيختلف بالنسبة للمكلفين.
وقيل غير هذا، والمسألة معروفة في علم الأصول، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ واشترط الحنفية فيها التتابع، وهو مذهب ابن عباس ومجاهد، وأخرج الحاكم وابن جرير وغيرهم من طريق صحيح أنّ أبي بن كعب كان يقرأ الآية هكذا (ثلاثة أيام متتابعات) «١» وروي هذا أيضا عن ابن مسعود، وقال سفيان : نظرت في مصحف الربيع فرأيت فيه :(فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام متتابعات).
وأما الشافعي فلا يشترط التتابع، لأنه يرى أن هذه قراءات شاذّة لا يحتجّ بها، ولعلها لم تثبت عنده.
ذلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمانِكُمْ إِذا حَلَفْتُمْ وحنثتم. وَاحْفَظُوا أَيْمانَكُمْ أي احفظوا أنفسكم من الحنث فيها، أو لا تبذلوها وأقلوا من الحلف، فإنّ ذلك مسقط لهيبتكم، وهو حينئذ في معنى قوله : وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ [البقرة : ٢٢٤] ومنه قول الشاعر :
قليل الألايا حافظ ليمينه إذا بدرت منه الأليّة برّت
وقيل : إنّ معنى ذلك راعوها حتى لا تحنثوا فيها، فتلزمكم الكفارة.
كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ أي مثل هذا البيان الشافي بيّن اللّه لكم أحكامه، لتشكروه على ما أنعم عليكم.