ص : ٣٩٢
قال اللّه تعالى : وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّما عَلى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ (٩٢) أمر بالطاعة في كل ما جاء عن اللّه والرسول صلّى اللّه عليه وسلّم ويدخل فيه ما جاء في الخمر والميسر دخولا أوليا، وتحذير عن المخالفة، فإنّها موقعة في المهالك فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ أعرضتم ولم تعملوا بما أمرتم به فَاعْلَمُوا أَنَّما عَلى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ وقد بلّغكم فانقطعت حجتكم، وانسد أمامكم سبيل الاعتذار، ولم يعد لكم مطمع في التعلّة، وإن ذلك لتهديد شديد.
قال اللّه تعالى : لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا إِذا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (٩٣) روي عن ابن عباس وجابر والبراء بن عازب وأنس بن مالك وغيرهم في سبب نزول هذه الآية : أنه لما حرّمت الخمر قالت الصحابة : كيف بمن ماتوا وهم يشربونها؟ فأنزل اللّه تعالى هذه الآية «١».
وقد فهم عمر بن الخطاب هذا المعنى من الآية. وقد أراد أن يقيم الحد على قدامة بن مظعون حين شهد عليه الشهود بأنه شربها. روى الزهري أن الجارود سيد بني عبد القيس وأبا هريرة شهدا على قدامة بن مظعون أنه شرب الخمر، وأراد عمر أن يجلده.
فقال قدامة : ليس لك ذلك، لأن اللّه يقول : لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا فقال عمر : إنك أخطأت التأويل يا قدامة، إذا اتقيت اجتنبت ما حرّم اللّه.
والطعم يطلق في اللغة على التذوق والتلذذ بما يؤكل ويشرب وهو هنا بهذا المعنى.
وبحسب ما ذكرنا من سبب النزول يكون معنى الآية : ليس على من آمن باللّه واتقاه وعمل صالحا جناح فيما تناوله من المحرمات قبل تحريمها إذا ما اتقى اللّه في محارمه، وآمن به، وعمل صالحا، ثم استمر على هذه التقوى وهذا الإيمان في المستقبل، ثم اتقى اللّه فيما أحل له، وأحسن في استعماله.
ومن هذا الذي قلنا تعرف معنى التقوى والإيمان المكرّرين في الآية، وتعرف معنى الإحسان الذي زيد فيها، وهو وجه من وجوه كثيرة أوردها المفسّرون لبيان أنه لا تكرار في الآية، ولنذكر بعضا منها، فقد قال بعضهم : إن التقوى والإيمان الأولين يراد بهما حصول أصل التقوى، وأصل الإيمان، والثانيين يراد منهما الثبات والدوام، والتقوى الثالثة اتقاء ظلم العباد مع ضم الإحسان إليه.
وذهب بعضهم إلى أن التقوى الأولى تقوى المحرمات قبل نزول هذه الآية،