ص : ٣٩٥
بصيد، لأن الصيد ما يحل أكله لقوله تعالى : بعد هذه الآية : أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعامُهُ مَتاعاً لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُماً فهذا يقتضي حل صيد البحر بالكلية، وحل صيد البر خارج وقت الإحرام، فثبت أنّ الصيد ما يحل أكله، والسبع لا يحل أكله، فوجب أن لا يكون صيدا، وإذا ثبت أنه ليس بصيد، وجب أن لا يكون مضمونا، لأنّ الأصل عدم الضمان. تركنا العمل به في ضمان الصيد بحكم هذه الآية.
فبقي ما ليس بصيد على وفق الأصل.
هذه عبارة الفخر الرازي أوردناها بنصها. ونحن لا نظن أن الإمام الشافعي وهو من هو يسلك هذا الطريق في الحجاج، فإنه يقال : ما الذي تدل عليه آية أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعامُهُ مَتاعاً لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ إنها إن دلت على شيء فليس الذي تدل عليه أن الصيد هو المأكول. إذ هي قد أحلت شيئين صيدا وطعاما، فهما شيئان عامّ وخاصّ، فالأول الصيد مطلقا، والثاني طعامه، فهي تبيح الصيد انتفاعا وطعاما.
انظر إلى مَتاعاً لَكُمْ أي نفعا، وهو أعمّ من أن يكون من طريق الأكل أو طريق الحلية مثلا، وأما قوله تعالى : وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُماً فهو كقوله تعالى :
لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ فإن دلت هذه على حل صيد غير المأكول دلت الأخرى، فنحن نرى أنّ هذه الآية التي ساقها الفخر دليلا لا تنهض دليلا على الدعوى.
قال الفخر بعد ذلك : وأما الخبر فهو الحديث المشهور، وهو
قوله عليه الصلاة والسلام :«خمس فواسق لا جناح على المحرم أن يقتلهنّ في الحل والحرم : الغراب، والحدأة، والحية، والعقرب، والكلب العقور» «١»
وفي رواية أخرى :«السبع العادي» «٢»
قال والاستدلال به من وجوه :
أحدها : أن قوله :«و السبع العادي» نص في المسألة.
ثانيها : أنه عليه الصلاة والسلام وصفها بكونها فواسق، ثم حكم بحلّ قتلها، والحكم المذكور عقيب الوصف المناسب مشعر بكون الحكم معلّلا بذلك الوصف.
وهذا يدل على أنّ كونها فواسق علة لحل قتلها، ولا معنى لكونها فواسق إلا كونها مؤذية، وصفة الإيذاء في السباع أقوى، فوجب جواز قتلها.
ثم أتى بوجه ثالث لا يخرج في المعنى عن الثاني وهو أن الشارع خصها بهذا الحكم لا ختصاصها بمزيد الإيذاء، وصفة الإيذاء في السباع أتم، فوجب القول بجواز قتلها، وإذا ثبت جواز قتلها وجب أن لا تكون مضمونة.
(٢) رواه أبو داود في السنن (٢/ ١١٣)، كتاب الحج، باب ما يقتل من الدواب حديث رقم (١٨٤٨).