ص : ٣٩٨
وقرئ فجزآء مثل برفع جزاء مضافا إلى مِثْلُ ما قَتَلَ وظاهر هذه القراءة أنّ الجزاء إنما هو جزاء مثل المقتول لا جزاء المقتول.
قالوا : إن ذلك خارج مخرج : مثلك جدير بالإكرام، والمعنى أنت جدير بالإكرام، ومن ذلك قوله تعالى : أَوَ مَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ [الأنعام : ١٢٢] إذ المعنى كمن هو في الظلمات، ويجوز أن تكون الإضافة على معنى (من) والمعنى فجزاء من مثل ما قتل.
ومِنَ النَّعَمِ يحتمل أن يكون حالا من الجزاء، والمعنى فجزاء مماثل للمقتول حال كون الجزاء من النعم، وجوّز بعضهم أن يكون بيانا لما في قوله : ما قَتَلَ والمعنى عليه : فجزاء مماثل للمقتول حال كون المقتول من النعم، وأنت تعلم أن ذلك إنما يتم على رأي أبي عبيد والأصمعي اللذين يقولان : إن النعم كما يكون من الأهلي يكون من الوحشي، وهو خلاف المشهور، إذ إنّ المشهور أن النعم يطلق على الإبل وحدها، وعلى البقر والغنم مضمومة إلى الإبل، ويصح أن يكون حالا من الضمير في (قتل) وهو قريب من هذا المعنى.
وقد اختلف العلماء في المراد بالمثل، فقد روي عن ابن عباس أن المثل النظير، ففي الظبية شاة، وفي النعامة بعير، وكذا كل صيد قتل يجب فيه نظيره في المنظر، وهو مذهب محمد بن الحسن والشافعي ومالك والإمامية، وحجتهم أن اللّه أوجب مثل المقتول مقيّدا بكونه من النعم، فلا بد أن يكون الجزاء مثلا من النعم، وذلك لا يكون إلا بأن يكون من الحيوانات التي تماثل المقتول، فلا تجب القيمة لأنّها ليست من النعم.
وقد أوجب الصحابة رضوان اللّه عليهم كعلي وعمر وعبد اللّه بن مسعود وغيرهم في النعامة بدنة، وفي حمار الوحش بقرة، إلى غير ذلك. وذهب أبو حنيفة وأبو يوسف إلى أن الواجب هو قيمة الصيد المقتول باعتبار كونه صيدا قبل الصيد، يقوّم في المكان الذي صيد فيه، أو في أقرب الأماكن إليه، وفي زمان الصيد، لأنّ القيمة تتفاوت باعتبار المكان والزمان، وخلاف محمد إنما هو فيما له مثل، أما ما لا مثل له فالواجب القيمة عنده كما هي عند أبي حنيفة وأبي يوسف.
وأما الشافعي فقد روي عنه أنه يعتبر المماثلة ولو في الصفات، فأوجب في الحمامة شاة، لأنّ الحمامة تشبه الشاة في عب الماء وفي الهدير.
احتج أبو حنيفة وأبو يوسف : بأن اللّه أوجب مثل المقتول مطلقا، والمطلق ينصرف إلى الفرد الكامل منه، وذلك يكون فيما هو مماثل في الصورة والمعنى، وذلك طنما هو من المشارك في النوع، وإيجاب ذلك متعذر، لأنّ نوع الصيد صيد، وهو محذور، فننتقل منه إلى ما يقاربه، وهو المثل في المعنى، فوجب المصير إليه،