ص : ٤١
وشَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ نحوه وقبله وتلقاؤه، وفي ذكر المسجد الحرام الذي هو محيط الكعبة دون الكعبة مع أنها القبلة لا المسجد على ما جاء مصرّحا به في الأحاديث إشارة إلى أنه يكفي للبعيد محاذاة جهة القبلة، قاله الألوسي.
وذكر غيره أن محاذاة الجهة مفهومة من قوله شطر المسجد، وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ هذا تصريح بعموم الحكم المستفاد من فَوَلِّ وَجْهَكَ.
والفائدة من ذكره - مع أن خطاب النبي صلّى اللّه عليه وسلّم خطاب لأمته - الاهتمام بشأن قبلة الكعبة، ودفع توهّم أنّ الكعبة قبلة المدينة وحدها، لأنّ الأمر بالصرف كان فيها، فربما فهم أن قبلة بيت المقدس لا تزال باقية. فدفعا لهذا الإيهام كان التصريح بعموم الحكم في عموم الأمكنة : وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ.
وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ [البقرة : ١٤٤] إن اليهود والنصارى بما أنزل إليهم في التوراة والإنجيل في شأن النبي محمد صلّى اللّه عليه وسلّم، والبشارة به، وأنه سيصلي إلى القبلتين : بيت المقدس، وقبلة أبيه إبراهيم الذي أمر أن يتّبع ملّته، ليجزمون أن تحويل القبلة بترك التوجه إلى بيت المقدس والتوجه إلى الكعبة حق لا مرية فيه، وأن ذلك أمر ربهم، وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ اعتراض بين الكلامين جيء به لوعد الفريقين ووعيدهم، وقرأ ابن عامر والكسائي «١» تعلمون بالتاء، فهو وعد للمؤمنين.
الأحكام
لا خلاف بين المسلمين أنّ استقبال القبلة لا بد منه في صحة الصلاة إلا ما جاء في الخوف والفزع، وفي صلاة النافلة على الدابة أو السفينة، فإن القبلة في الحال الأولى جهة أمنه، وفي الثانية قبلته حيث توجهت به دابته أو سفينته.
إنما الكلام في القبلة ما هي، أهي عين الكعبة : أم هي جهة الكعبة؟ بالأول قالت الشافعية. وبالثاني قال الحنفية، وقال ابن عباس رضي اللّه عنهما : الكعبة قبلة من في المسجد، والمسجد قبلة من خارجه في مكة، ومكة قبلة سائر الأقطار، ونسبه الفخر الرازي وأبو حيان إلى المالكية، وقبل الكلام على مأخذ كلّ مذهب نحبّ أن نقول : إن المسجد الحرام قد أطلق تارة وأريد منه الكعبة فقط، وتارة أريد به المسجد وحوله معه، وقد يراد به مكة كلها. وقد يراد مكة مع الحرم حولها بكماله. وقد جاءت نصوص الشرع بهذه الإطلاقات الأربعة.
فمن الأول : قوله تعالى : فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ.

(١) علي بن حمزة بن عبد اللّه الأسدي أبو الحسن، أحد القراء السبعة، ينتسب إلى مدرسة الكوفة بالنحو، توفي سنة (١٨٩) انظر الأعلام للزركلي (٤/ ٢٨٣).


الصفحة التالية
Icon