ص : ٤١٣ وأحلوا الميتة بأهوائهم وشهواتهم الباطلة، وبغير علم أصلا، إنما هو محض الهوى، وسيجازيهم اللّه على هذا الاعتداء لا محالة.
قال اللّه تعالى : وَذَرُوا ظاهِرَ الْإِثْمِ وَباطِنَهُ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الْإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِما كانُوا يَقْتَرِفُونَ (١٢٠) قيل : المراد اتركوا جميع المعاصي ما أعلنتم وما أسررتم. وقيل : ما عملتم وما نويتم. وقيل : ظاهِرَ الْإِثْمِ أفعال الجوارح وَباطِنَهُ أفعال القلوب.
وقيل : اتركوا الزنى في الحوانيت واتخاذ الأخدان.
وقد روي أنّ أهل الجاهلية كانوا يرون أنّ الزنى إذا ظهر كان إثما، وإذا استتر فلا إثم فيه. ثم أخبر اللّه أنه لا بدّ سيجازي مرتكبي المعاصي على عصيانهم.
قال اللّه تعالى : وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إِلى أَوْلِيائِهِمْ لِيُجادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ (١٢١) المتبادر من المقام تخصيص ما لم يذكر اسم اللّه عليه بالحيوان، فيكون ذلك نهيا عن الأكل من الحيوان الذي لم يذكر اسم اللّه عليه، فتحرم الميتة وما ذكر عليه اسم غير اللّه ومتروك التسمية عمدا كان تركها أم سهوا، وإلى ذلك ذهب داود، وروي عن الحسن وابن سيرين.
وقال الشافعي : متروك التسمية حلال مطلقا، وهو رواية عن مالك.
وذهب الحنفية إلى التفرقة بين العمد والنسيان، فحرموا متروك التسمية عمدا، وأحلّوا متروك التسمية نسيانا. وهذا هو الصحيح من مذهب مالك. وعن أحمد ثلاث روايات أصحها عندهم وهي المشهورة عنه : أن التسمية شرط للإباحة، فإن تركها عمدا أو سهوا في صيد فهو ميتة، وفي الذبيحة إن تركها سهوا حلّت، وإن تركها عمدا فعنه روايتان.
وحجة داود ومن قال بقوله هذه الآية الكريمة، وهي ظاهرة في ذلك.
وللحنفية في تقرير مذهبهم من الآية طريقان :
الأول : أن ظاهر الآية يقتضي شمولها لمتروك التسمية نسيانا، إلا أنّ الشارع جعل الناسي ذاكرا، لعذر من جهته، وفي ذلك رفع للحرج، فإنّ الإنسان كثير النسيان، فيكون متروك التسمية سهوا مخصوصا من حكم الآية.
والثاني : أنّ الناسي ليس بتارك التسمية، بل هي في قلبه على ما
روي عنه صلّى اللّه عليه وسلّم أنه قال :«تسمية اللّه على كل مسلم»
وحينئذ يكون متروك التسمية عمدا أو سهوا بقوله تعالى : حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ [المائدة : ٣] إلى قوله تعالى : إِلَّا ما ذَكَّيْتُمْ