ص : ٤٣٠
مستغنما ببعث كان أو بغير بعث، قبل الظفر أو بعده. والنفل ما كان قبل الظفر أو ما كان بغير قتال، وهو الفي ء، أو ما يفضل عن القسم.
إذا تبين هذا فاعلم أن الراجح هنا كون السؤال سؤال استفتاء لا استعطاء، وأنّ المراد بالأنفال الغنائم لا المشروط للغازي زيادة على سهمه، ويؤيد ذلك الراجح أمور :
١ - أنّ هذا أول تشريع للغنيمة.
٢ - ما تقدّم من سبب النزول.
٣ - قوله تعالى : فَاتَّقُوا اللَّهَ فإنّه لو كان السؤال طلبا للمشروط لما كان هناك محذور يجب اتقاؤه.
ومن ذهب إلى المرجوح وهو أن السؤال سؤال استعطاء، وأن النفل ما يشترط للغازي فقد التزم زيادة (عن) أو جعلها بمعنى (من) وهو تكلّف لا ضرورة إليه.
ويبعده أيضا الجواب بقوله تعالى : قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فإنّ المراد به اختصاص أمرها وحكمها باللّه تعالى ورسوله، فيقسمها النبي عليه الصلاة والسلام كما يأمره اللّه تعالى من غير أن يدخل فيه رأي أحد، ولو كان السؤال سؤال استعطاء، و(عن) زائدة لما كان هذا جوابا له، فإنّ اختصاص حكم ما شرط لهم باللّه ورسوله لا ينافي إعطاءه إياهم، بل يحققه، لأنّهم إنما يسألون بموجب شرط الرسول عليه الصلاة والسلام الصادر عنه بإذن اللّه، لا بحكم سبق أيديهم إليه مما يخل بالاختصاص المذكور.
والمعنى : يسألونك يا محمد عن غنائم بدر كيف تقسم ولمن الحكم فيها قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ أي قل لهم : الأنفال للّه يحكم فيها بحكمه، وللرسول يقسمها بحسب حكم اللّه تعالى.
وهذه الآية محكمة بيّن فيها إجمالا أنّ الأمر مفوّض لرسول اللّه، وآية وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ إلخ فصّلت هذا الإجمال ببيان مصارف الغنيمة، فلا تكون ناسخة لها فَاتَّقُوا اللَّهَ أي وإذا كان أمر الغنائم للّه ورسوله فاتقوه سبحانه، واجتنبوا ما أنتم فيه من المشاجرة فيها والاختلاف الموجب لشق العصا وسخطه تعالى، أو فاتقوه في كل ما تأتون وتذرون، فيدخل ما هم فيه دخولا أوليا وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ أي أصلحوا نفس ما بينكم، وهي الحال والصلة التي بينكم تربط بعضكم ببعض، وهي رابطة الإسلام، وإصلاحها يكون بالوفاق والتعاون والمواساة وترك الأثرة والتفوق، وبالإيثار أيضا، فذات بمعنى حقيقة الشيء ونفسه مفعول به، وقيل : إنّ (ذات) بمعنى صاحبة، صفة لمفعول محذوف، أي أحوالا ذات بينكم، ولما كانت