ص : ٤٣٨
وعلاقتهم بالكفار. وكل ما يصح في مسألة التوارث أنها داخلة في عموم هذه الولاية.
وقال الأصم : الآية محكمة، والمراد : الولاية بالنصرة والمظاهرة، وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهاجِرُوا ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهاجِرُوا هذا هو الصنف الثالث من أصناف المؤمنين، وهم المقيمون في أرض الشرك تحت سلطان المشركين وحكمهم - وهي دار الحرب والشرك - بخلاف من يأسره الكفار من أهل دار الإسلام، فله حكم أهل هذه الدار.
وكان حكم غير المهاجرين أنه لا يثبت لهم شيء من ولاية المؤمنين الذين في دار الإسلام، إذ لا سبيل إلى نصر أولئك لهم، ولا إلى تنفيذ هؤلاء لأحكام الإسلام فيهم. والولاية حقّ مشترك على سبيل التبادل، ولكنّ اللّه خص من عموم الولاية المنفية الشامل لما ذكرنا من الأحكام شيئا واحد فقال : وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ فأثبت لهم حق نصرهم على الكفار إذا قاتلوهم أو اضطهدوهم لأجل دينهم.
وإن كانوا هم لا ينصرون أهل دار الإسلام لعجزهم، ثم استثنى من هذا الحكم حالة واحدة. فقال : إِلَّا عَلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ يعني إنما يجب عليكم أن تنصروهم إذا استنصروكم في الدين على الكفار الحربيين، دون المعاهدين، فهؤلاء يجب الوفاء بعهدهم، لأنّ الإسلام لا يبيح الغدر والخيانة بنقض العهود.
وهذا الحكم من أركان سياسة الإسلام الخارجية العادلة وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ فلا تخالفوا أمره، ولا تتجاوزوا ما حدّه لكم، كيلا يحل عليكم عقابه.
وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ أي في النصرة والتعاون على قتال المسلمين، فهم في جملتهم فريق واحد تجاه المسلمين، وإن كانوا مللا كثيرة يعادي بعضهم بعضا. وقيل : إنّ الولاية هنا ولاية الإرث كما قيل بذلك في ولاية المؤمنين فيما قبلها، وجعلوه الأصل في عدم التوارث بين المسلمين والكفار. وفي إرث ملل الكفر بعضهم لبعض.
وقول بعض المفسرين : إن هذه الجملة تدل بمفهومها على نفي المؤازرة والمناصرة بين جميع الكفار وبين المسلمين، وإيجاب المباعدة والمصارمة وإن كانوا أقارب غير مسلّمين، لأنّ صلة الرحم عامة في الإسلام للمسلم والكافر كتحريم الخيانة. والأصح عند الشافعية أنّ الكافر يرث الكافر، وهو قول الحنفية والأكثر، ومقابله عند مالك وأحمد. وعنهما التفرقة بين الذمي والحربي، وكذا عند الشافعية.
وعن أبي حنيفة «١» لا يتوارث حربي من ذمي، فإن كانا حربيين شرط أن يكونا من دار واحدة.

(١) انظر الهداية شرح بداية المبتدي للمرغيناني ط ١، بيروت، دار الكتب العلمية، ١٩٩٠ (٢/ ٦١٠).


الصفحة التالية
Icon