ص : ٤٤٦ والثانية : يؤخذ من «تفسير المنار» «١» أنه إذا وقع من بعض الحكام والأفراد من غير المسلمين أن من بنى مسجدا للمسلمين أو أوصى بمال لعمارة مسجد لهم لمصلحة له في ذلك، جواز قبولنا مثل هذا المسجد، وهذه الوصية بشرط ألا يكون فيهما ضرر ديني أو سياسي، لأنّه حينئذ يكون كمسجد الضرار.
أُولئِكَ المشركون حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ أي بطلت أجور أعمالهم الخيرية :
كصدقة، وصلة رحم، وقرى ضيف، وإغاثة ملهوف، وغيرهما مما يفخرون به :
كعمارة مسجد، وسقاية حاج، فلا ثواب لهم عليها في الآخرة لعدم شرطها، وهو الإيمان، وإن كانوا يجازون عليها في الدنيا بإعطاء الولد والمال والصحة والعافية.
وَفِي النَّارِ هُمْ خالِدُونَ لعظم ما ارتكبوه. وهذه الجملة قيل : عطف على جملة حَبِطَتْ على أنها خبر آخر لأولئك وقيل : هي مستأنفة كجملة أُولئِكَ حَبِطَتْ وفائدتهما تقرير النفي السابق.
الأولى من جهة نفي استتباع الثواب، والثانية : من جهة نفي استدفاع العذاب.
إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسى أُولئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ (١٨).
بعد أن بين عدم استحقاق المشركين لعمارة مساجد اللّه أثبتها للمسلمين الكاملين، وجعلها مقصورة عليهم بالفعل، وهم الجامعون بين الإيمان باللّه على الوجه الحق، والإيمان باليوم الآخر الذي فيه الجزاء، وبين إقامة الصلاة المفروضة بأركانها وآدابها، وتدبر تلاوتها وأذكارها، التي تكسب مقيمها مراقبة اللّه وحبه والخشوع له والإنابة إليه، وإعطاء زكاة الأموال لمستحقيها، وبين خشية اللّه دون غيره ممن لا ينفع ولا يضر كالأصنام وسائر ما عبد من دون اللّه خوفا من ضرره، أو رجاء في نفعه.
فالمراد بالخشية الديني منها دون الغريزي، كخشية أسباب الضرر الحقيقية، فإنّ هذا لا ينافي خشية اللّه.
قيل : ولم يذكر الإيمان بالرسول صلّى اللّه عليه وسلّم مع الإيمان باللّه، لأنه لما ذكر الصلاة وهي لا تتم إلا بالأذان والإقامة والتشهد، وهذه الأشياء تتضمن الإيمان بالرسول صلّى اللّه عليه وسلّم كان ذلك كافيا.
فَعَسى أُولئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ أي فأولئك الجامعون لهذه الأوصاف هم الذين يرجون بحق أو يرجى لهم بحسب سنن اللّه في أعمال البشر وتأثيرها في إصلاحهم أن يكونوا من جماعة المهتدين إلى ما يحب اللّه ويرضى من عمارة مساجده حسا ومعنى.

(١) تفسير المنار لمحمد رشيد رضا طبعة بيروت، دار الفكر (١٠/ ٢٠٨).


الصفحة التالية
Icon