ص : ٤٥
أن هناك فرعا واحدا نذكره لما له من العلاقة بتفسير الآية :
فهم بعضهم من قوله تعالى : فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ أن هذا يمتنع معه أن يوجه المصلّي نظره إلى موضع سجوده قائما، وإلى قدميه راكعا، وإلى أرنبة أنفه ساجدا، وإلى حجره جالسا، لأن هذا فيه توجّه إلى غير شطر المسجد الحرام، وأنت ترى أنه فهم عجيب، فإن الحنفية مثلا لم يقولوا هذا إلا بعد تحقق الاستقبال والتوجه شطر المسجد الحرام. وإنما قالوا ذلك منعا للمصلّي أن يتشاغل في الصلاة بغيرها إذا لم يحصر بصره في هذه الجهات التي عينوها لنظره.
قال اللّه تعالى : إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ اللَّهَ شاكِرٌ عَلِيمٌ (١٥٨)
الصفا : جمع صفاة، وهي الصخرة الملساء، وقد يأتي واحدا ويجمع على صفىّ قال الراجز :
كأن متنيه من النّقي مواقع الطّير على الصّفي
المروة : الحصاة الصغيرة، وتجمع على مرو قال الشاعر «١» :
حتّى كأنّي للحوادث مروة بصفا المشقّر كلّ يوم تقرع
وقد عنى اللّه تعالى بالصفا والمروة هنا الجبلين المسلمين بهذين الاسمين اللذين هما بمكة.
شعائر : جمع شعيرة : من الإشعار وهو الإعلام، أي هما من معالم اللّه التي جعلها للنّاس معلما ومشعرا يعبدونه عندهما.
الحج : القصد، وقيل هو : كثرة التردد، وقيل للحاج حاج : لأنه يأتي البيت قبل الذهاب إلى عرفة، ثم يعود إليه لطواف يوم النحر بعد الوقوف بعرفة. ثم ينصرف إلى منى، ثم يعود إليه لطواف الصدر، ففيه كثرة التردد.
الاعتمار الزيارة.
الجناح : في اللغة عبارة عن الميل كيفما كان، ولكنه خصّ بالميل إلى الإثم.
المعنى : إن الصفا والمروة أي هذين الجبلين من معالم اللّه التي جعلها معلما ومشعرا يعبده عباده عندهما بالدعاء، أو الذكر، أو السعي والطواف. فمن حج البيت الحرام أو اعتمره فلا إثم عليه أن يطوّف بهما.

(١) هو أبو ذؤيب الهذلي انظر المحرر الوجيز (١/ ٢٢٩).


الصفحة التالية
Icon