ص : ٤٥٢
تقدير القمر بالمنازل علة لمعرفة السنوات والحساب، وهو إنما يصح إذا كانت السنة معلقة بدورة القمر، ومنها قوله تعالى : يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ [البقرة : ١٨٩] ولهذا كانت السنة القمرية وشهورها العربية هي التي يعتد بها عند المسلمين في صيامهم ومواقيت حجهم وأعيادهم ومعاملاتهم وأحكامهم.
وباعتبار نقصان السنة القمرية عن الشمسية أحد عشر يوما تقريبا تنتقل الشهور العربية من فصل إلى فصل، فيكون الحج واقعا في الشتاء مرة وفي الصيف مرة أخرى. وكان الأمر يشق على العرب أيام الجاهلية بهذا السبب، وكذلك كانوا إذا حضروا للحج حضروا للتجارة أيضا، وربما يكون الوقت غير مناسب لحضور التجارات من أطراف البلاد، فيختل بذلك نظام تجارتهم، وكان كثير من العرب يخالط الطوائف الأخرى فتعلموا منهم الاعتماد على السنة الشمسية، فأقدموا على الكبس بتكميل النقص الذي في السنة القمرية لتساوي السنة الشمسية، واعتبروا ذلك مبررا لاعتمادهم على السنة الشمسية، فاختاروا للحج وقتا معينا لمصلحتهم، لينتفعوا بتجاراتهم وعباداتهم ومصالحهم.
وكانوا مع هذا يجعلون شهر المحرم مثلا حلالا عام وحراما في عام آخر، بحسب رغباتهم، وكانوا يؤخّرون الشهور، ويقدمونها بحسب أسمائها تبعا لغايتهم.
فإذا كانوا في حرب، ودخل شهر رجب مثلا، قالوا : نسميه رمضان، ونطلق اسم رمضان على رجب. وهذا الأخير هو النسيء الذي اخترعوه. وهو وإن كان سببا لحصول مصالحهم الدنيوية إلا أنه يستلزم تغيير حكم اللّه تعالى فيما تعبدهم به.
كما أنهم اخترعوا الكبس بطريقة غير التي كانت عند غيرهم. فكانوا لتكميل النقص الذي في السنة القمرية عن الشمسية يزيدون في كل ثلاث سنوات شهرا، لتكون السنة قمرية شمسية. ولكل هذا استوجبوا الذم العظيم، ونزلت «١» هذه الآية، أي إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ في علمه تعالى : اثْنا عَشَرَ شَهْراً لا أكثر ولا أقل، للرد على ما أقدم على الزيادة، فمن حكم على بعض السنوات بأنها صارت ثلاث عشر شهرا فقد جرى على خلاف حكم اللّه، وأبطل كثيرا من العبادات المؤقتة.
وهذه العدة للشهور ثابتة في علمه تعالى، وفِي كِتابِ اللَّهِ أي في اللوح المحفوظ الذي كتب فيه ما كان وما يكون. أو فيما كتبه اللّه وأوجب على عباده الأخذ به، وكذلك هي ثابتة في اليوم الذي خلق اللّه فيه السموات والأرض.
وقوله : مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ - جمع حرام - أي أربعة محرّمة حرّم فيها بعض ما كان مباحا في غيرها، أو هي ذات حرمة تمتاز بها عن بقية الشهور، فقد ورد أنّ

(١) انظر الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي (٣/ ٢٣٧).


الصفحة التالية
Icon