ص : ٤٥٥
والتحريم زيادة في كفرهم، الحاصل باعتقاد الشريك للّه تعالى وعبادة الأصنام.
وقوله : يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا بالبناء للمفعول، أي يوقع الذين كفروا بسبب النسيء في الضلال، أي يوقعهم اللّه في ضلال زيادة على ضلالهم القديم. وقرئ بالبناء للفاعل، أي يضلهم اللّه، يحلّون الشهر المؤخر عاما ويحرّمونه عاما آخر.
ثم قيل إنّ أول من عمل النسيء نعيم بن ثعلبة الكناني وكان مطاعا في قومه الذين كانوا يسألونه أن يؤخّر حرمة الشهر إلى شهر آخر ليغيروا فيه على أعدائهم، فيقول قد فعلت، ثم يعملون ما يشاؤون..
وقوله : لِيُواطِؤُا عِدَّةَ ما حَرَّمَ اللَّهُ أي يوافقها في العدد، واللام متعلقة بالفعل الثاني، أو بما دل عليه مجموع الفعلين فيحلوا بهذه المواطأة ما حرمه اللّه من القتال، زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمالِهِمْ أي حسّن الشيطان لهم أعمالهم السيئة، فظنوا ما كان سيئا حسنا وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ أي لا يرشد الضالين الذين يختارون السيئات ويستقبحون الأعمال الصالحة.
قال اللّه تعالى : إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ وَالْعامِلِينَ عَلَيْها وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقابِ وَالْغارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٦٠)
أفادت إِنَّمَا حصر الصدقات في هذه الأصناف الثمانية، وأنها تصرف إليهم، ولا تصرف إلى غيرهم.
وقد كان لفظ الصدقة في عرف الشرع في صدر الإسلام يشمل الزكاة الواجبة والصدقة المندوبة. قال تعالى : خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها [التوبة : ١٠٣] وقال عليه الصلاة والسلام :«ليس فيما دون خمس ذود صدقة، وليس فيما دون خمسة أوسق صدقة» «١»
وفي كتاب أبي بكر لأنس بن مالك حين وجهه إلى البحرين :
هذه فريضة الصدقة التي فرض رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم على المسلمين، والتي أمر اللّه تعالى بها رسوله صلّى اللّه عليه وسلّم «٢».
واتفق العلماء على أن قوله تعالى : الصَّدَقاتُ يشمل الزكاة الواجبة. واختلفوا في الصدقة المندوبة، فمنهم من قال بدخولها في لفظ الآية الكريمة، ومنهم من قال :
لا تدخل، فمن قال بدخولها يرى أن اللفظ عامّ يتناول كل صدقة، سواء الواجبة والمندوبة، بل إنّ المتبادر من لفظ الصدقة هو المندوبة، فإذا أدخلنا فيه الزكاة الواجبة

(١) رواه مسلم في الصحيح (٢/ ٦٧٣)، ١٢ - كتاب الزكاة حديث رقم (١/ ٩٧٩)، والبخاري في الصحيح (٢/ ١٣٦)، ٢٤ - كتاب الزكاة، ٤ - باب ما أدي زكاته حديث رقم (١٤٠٥).
(٢) رواه البخاري في الصحيح (٢/ ١٥٤)، ٢٤ - كتاب الزكاة، ٣٨ - باب زكاة الغنم حديث رقم (١٤٥٤).


الصفحة التالية
Icon