ص : ٤٦١
درهم، لأن المائتين هي النصاب الكامل، فيكون غنيا مع تمام ملك الصدقة، ومعلوم أنّ اللّه تعالى إنما أمر بدفع الزكوات إلى الفقراء لينتفعوا بها ويتملكوها، فلو أعطى الفقير مئتي درهم فإنّه لا يتمكن من الانتفاع بها إلا وهو غني، فكره أبو حنيفة من أجل ذلك دفع النصاب الكامل إلى إنسان واحد.
الصنف الثالث : العاملون عليها وهم السعاة لجباية الصدقة، ويدخل فيهم الحاشر، والعريف، والحاسب، والكاتب، والقسّام وحافظ المال، ويعطى العامل عند الحنفية والمالكية ما يكفيه ويكفي أعوانه بالوسط مدة ذهابهم وإيابهم ما دام المال باقيا، وإذا استغرقت كفايتهم الزكاة، فالحنفية لا يزيدونهم على النصف.
وعند الشافعية يعطون من سهم العاملين - وهو الثمن - قدر أجرتهم، فإن زادت أجرتهم على سهمهم تمم لهم، قيل : من سائر السهمان، وقيل : من بيت المال.
وهذا الذي ذهب إليه الشافعي هو قول عبد اللّه بن عمر وابن زيد، وقال مجاهد والضحاك : يعطون الثمن من الصدقات، وظاهر الآية معهما.
وفيما يعطاه العاملون شبه بالأجرة وشبه بالصدقة.
فبالاعتبار الأول حل إعطاء العامل الغني، وسقط سهم العامل إذا أدى الزكاة رب المال إلى الإمام أو إلى الفقراء.
وبالاعتبار الثاني : لا تحل للعامل من آل البيت، ولا لمولاهم، ولا لغير المسلم. فعن ابن عباس أنه قال : بعث نوفل بن الحارث ابنيه إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقال : انطلقا إلى عمكما، لعله يستعملكما على الصدقة، فجاءا فحدثا النبي صلّى اللّه عليه وسلّم بحاجتهما،
فقال لهما :«لا يحل لكم أهل البيت من الصدقات شي ء، لأنها غسالة الأيدي، إن لكم في خمس الخمس ما يغنيكم أو يكفيكم» «١».
وروي عن علي أنه قال للعباس : سل النبي صلّى اللّه عليه وسلّم أن يستعملك على الصدقة، فسأله فقال :«ما كنت لأستعملك على غسالة ذنوب الناس» «٢».
وأبى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أن يبعث أبا رافع - مولاه - عاملا على الصدقات وقال :«أما علمت أن مولى القوم منهم» «٣».
(٢) روي عن ابن عباس كما في كنز العمال للمتقي الهندي حديث رقم (١٦٥٣٠).
(٣) رواه الترمذي في الجامع الصحيح (٣/ ٤٦) في الزكاة، باب ما جاء في كراهية الصدقة حديث رقم (٦٥٧)، وأبو داود في السنن (٢/ ٤٤)، كتاب الزكاة، باب الصدقة حديث رقم (١٦٥٠)، والنسائي في السنن (٥ - ٦/ ١١٢)، كتاب الزكاة، باب مولى القوم منهم حديث رقم (٢٦١١).