ص : ٤٧
عليكم السعي» رواه الشافعي عن عبيد اللّه بن المزمل «١».
واحتج من لم يره ركنا :
بظاهر الآية، فقد رفعت الإثم عمّن تطوّف بهما، ووصف ذلك بالتطوع. فقال : وَمَنْ تَطَوَّعَ يعني بالتطوع بينهما، وبما
روي من حديث الشعبيّ عن عروة بن مضرّس الطائي قال : أتيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بالمزدلفة، فقلت يا رسول اللّه جئت من جبل طي ء، ما تركت جبلا إلا وقفت عليه، فهل لي من حج؟ فقال عليه الصلاة والسلام :«من صلّى معنا هذه الصلاة، ووقف معنا هذا الموقف، وقد أدرك عرفة قبل - ليلا أو نهارا - فقد تمّ حجه، وقضى تفثه» «٢»
، قالوا : فهذا يدل على أن السعي ليس بركن من وجهين :
أحدهما : إخباره بتمام حجته، وليس فيها السعي.
الثاني : أنه لو كان من أركانه لبيّنه للسائل، لعلمه بجهله الحكم، فإن قيل :
مقتضى ذلك ألا يكون الطواف بالبيت فرضا، فإنّه لم يذكره أيضا.
قيل : ظاهر اللفظ يقتضي ذلك، وإنما أثبتناه بدليل آخر.
والظاهر أن الآية لا تشهد لأحد المختلفين، لأننا علمنا السبب في أنها عرضت لرفع الجناح على من تطوّف بهما، وهو أنهم كانوا يتحرجون من السعي بينهما، لأنه كان عليهما في الجاهلية صنمان. وقالوا : كان يطاف بهما من أجل الوثنين.
فبيّن اللّه أنه يطاف بهما من أجل اللّه، وأنهما من شعائره، فلا يتحرجون من السعي بينهما، وقوله : وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً كما يحتمل ومن تطوع بالتطوّف بهما، يحتمل : ومن تطوع بالزيادة على الفرض من التطوّف بهما، أو من الحج، فلم يبق من مستند في هذه المسألة إلا السنّة، وقد روي في ذلك آثار مختلفة، فيرجع إلى الترجيح بين هذه الآثار، بالسند والدلالة.
قال اللّه تعالى : إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتابِ أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ (١٥٩) إِلَّا الَّذِينَ تابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (١٦٠) نزلت هذه الآية الكريمة في أهل الكتاب حين سئلوا من بعض الصحابة عمّا جاء في كتبهم في أمر النبي صلّى اللّه عليه وسلّم،
روي عن ابن عباس رضي اللّه عنهما أن معاذا سأل اليهود عمّا في «التوراة» من ذكر النبي صلّى اللّه عليه وسلّم فكتموه إياه. فأنزل اللّه هذه الآية.
(٢) رواه أبو داود في السنن (٢/ ١٤٧)، كتاب المناسك، باب من يدرك عرفة، حديث رقم (١٩٥٠)، والترمذي في الجامع الصحيح (٣/ ٢٣٨)، في كتاب الحج، باب ما جاء فيمن أدرك الإمام حديث رقم (٨٩١).