ص : ٤٧٤ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ (١٢٢)
فَلَوْ لا للتحضيض، وهي داخلة هنا على الماضي، فتفيد التوبيخ والتنديد على ترك الفعل فيما مضى، والأمر به في المستقبل.
والفرقة والطائفة بمعنى، لكنّ سياق الكلام هنا، ومِنْ التبعيضية، يقتضيان أنّ المراد بالفرقة هنا الجماعة الكثيرة، وأن الطائفة جماعة أقل من الفرقة المرادة هنا.
وعن السلف في سبب نزول هذه الآية روايتان :
فروى الكلبي «١» عن ابن عباس رضي اللّه عنهما أن اللّه تعالى لما شدّد على المتخلفين قالوا : لا يتخلف منا أحد عن جيش أو سرية أبدا، ففعلوا ذلك، وبقي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وحده، ونزل قوله تعالى : وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا الآية.
وأخرج ابن جرير «٢» وابن المنذر عن مجاهد أنه قال : إنّ ناسا من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم خرجوا في البوادي، فأصابوا من الناس معروفا، ومن الخصب ما ينتفعون به، ودعوا من وجدوا من الناس إلى الهدى، فقال لهم الناس : ما نراكم إلا قد تركتم أصحابكم وجئتمونا، فوجدوا في أنفسهم من ذلك تحرّجا، وأقبلوا من البادية كلهم حتى دخلوا على النبي صلّى اللّه عليه وسلّم، فنزلت هذه الآية : وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا إلخ.
هاتان روايتان مختلفتان في سبب النزول، فرواية ابن عباس تجعل النفر المنهي عنه هو نفر المؤمنين جميعا للجهاد. نهوا عن ذلك لما يترتب عليه من الإخلال بالتعلم، فكما أنّ الجهاد فرض في الدين، كذلك تلقي العلم عن الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم، وأخذ الأحكام المتجددة عنه فرض من فروض الدين، فلا ينبغي أن يكون في إقامة أحد الفرضين، إخلال بالآخر ومن الميسور أن نجمع بين الفرضين ونؤدّي كلّا من الواجبين، وطريق ذلك أن تنفر للجهاد طائفة من كل فرقة، وتبقى طائفة أخرى تتفقه في الدين، وتسمع من الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم، حتى إذا رجع إليهم إخوانهم من الغزو، علموهم ما تلقوه من أحكام الدين. وعلى هذا المعنى : لا يكون قوله تعالى : لِيَتَفَقَّهُوا متعلقا بنفر، لأن النفر للجهاد ليس علة في التفقه.
وإنما هو متعلق بفعل مفهوم من الكلام، إذ المعنى لتنفر من كل فرقة طائفة
(٢) في تفسيره جامع البيان، المشهور بتفسير الطبري (١١/ ٤٨).