ص : ٤٧٩
النخيل والأعناب، فيجوز أن يكون ذلك جمعا بين العتاب في اتخاذ السكر، والامتنان بالرزق الحسن، ويكون المعنى : أتتخذون منه سكرا ورزقا حسنا.
وإن كانت بعد التحريم ففي مقابلة السكر بالرزق الحسن ما يرده إلى المحرم، ويكون ذلك تقريعا شديدا لمن يقدم عليه.
والحاصل أنّا نرى أن الآية ليس فيها ما يشهد بالحل، إذ الكلام في الامتنان بخلق الأشياء لمنافع الإنسان، ولم تنحصر المنافع في حل التناول، فقد قال اللّه في شأن الخمر :
يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ [البقرة : ٢١٩] فهل انحصرت منافع السكر على فرض أنه النبيذ في الشرب؟
إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ستعملون عقولهم بالنظر والتأمل، فيعلمون أن ربهم بهم رؤوف رحيم، وأنه يجب أن يخصّ بالعبادة وحده.
قال اللّه تعالى : فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ (٩٨)
ظاهر الآية جعل الاستعاذة عقب القراءة، وبه قال بعض الظاهرية. والجمهور على أن ذلك على حد قوله : إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ [المائدة : ٦] وقوله : وَإِذا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا
[الأنعام : ١٥٢] وقوله : وَإِذا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتاعاً فَسْئَلُوهُنَّ مِنْ وَراءِ حِجابٍ [الأحزاب : ٥٣] وقوله : إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً [المجادلة : ١٢] الذي تطلب من أجله الاستعاذة - وهو دفع وسوسة الشيطان - يقتضي تحصيل الاستعاذة قبل القراءة، وهذا المعنى يشير إلى قوله تعالى : وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ [الحج : ٥٢].
وكيفية الاستعاذة عند جمهور القراء أن يقول :
«أعوذ باللّه من الشيطان الرجيم» وقد تضافرت الروايات عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بهذه الصيغة «١»
، وهناك صيغ أخرى وردت : كأعوذ باللّه السميع العليم من الشيطان الرجيم «٢»، والأمر بها للندب عند الجمهور، وعن الثوري أنها واجبة، وظاهر الآية يؤيده، إذ الأمر للوجوب. والجمهور يقولون : إنه صرفها عن الوجوب ما ورد أنّه صلّى اللّه عليه وسلّم لم يعلمها الأعرابي «٣» وأيضا فقد روي أنه كان يتركها.
ثم هل هي مندوبة في أول الصلاة فقط أو في كل ركعة، خلاف بين الفقهاء يعرف في الفقه، ومبناه على أنّ الاستعاذة قد رتبت على شرط، فتتكرر بتكرره. ثم
(٢) رواه أبو داود في السنن (١/ ٢٩٨)، كتاب الصلاة، باب من لم ير الجهر ببسم اللّه حديث رقم (٧٨٥).
(٣) انظر ما رواه مسلم في الصحيح (١/ ٢٩٨)، ٤ - كتاب الصلاة، ١١ - باب وجوب قراءة الفاتحة حديث رقم (٤٥/ ٣٩٧).