ص : ٤٩
فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ
[التوبة : ١٢٢] وقد ورد في السنة ما لا يقلّ عن هذا روى شعبة عن قتادة في قوله تعالى : وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ قال : فهذا ميثاق أخذه اللّه على أهل العلم، فمن علم علما فليعلّمه، وإياكم وكتمان العلم. فإنّه هلكة، وروى حجاج عن عطاء، عن أبي هريرة، عن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم قال :«من كتم علمه جاء يوم القيامة ملجما بلجام من نار» «١».
وقد أشرنا آنفا إلى ما في الكتمان من تعطيل وظيفة الرّسالة، وإلحاق الضرر بالناس، ومن أجل ذلك كان الوزر كبيرا. والآية صريحة في أنّ الكتمان إفساد، وأنه لا يكفي من فاعله الندم على ما فعل من الكتمان، بل لا بد من الإصلاح والتبيين، وقد ذكروا أن الآية تدل على عدم جواز أخذ الأجر على التعليم، لأنها تدل على لزوم إظهار العلم، وترك كتمانه، ولن يستحق إنسان أجرا على عمل يلزمه أداؤه، وقد جاء هذا الحكم مصرّحا به في آية : إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلًا [البقرة : ١٧٤].
فثبت بذلك بطلان أخذ الأجر على تعليم القرآن وعلوم الدين، غير أن المتأخرين لما رأوا تهاون الناس، وعدم اكتراثهم لأمر التعليم الديني، وانصرافهم إلى الاشتغال بمتاع الحياة الدنيا، ورأوا أن ذلك يصرف الناس عن أن يعنوا بتعلم القرآن والعلوم الدينية فينعدم حفظة القرآن، وتضيع العلوم، وليس في الناس مع كثرة مشاغل الحياة ما يلجئهم إلى الانقطاع لهذه المهام أباحوا أخذ الأجور، بل حتمه بعضهم، وما هذه الحبوس «٢» والأرصاد التي حبسها الخيّرون إلا لتحقيق صيانة القرآن والعلوم الدينية، وسبيل لتنفيذ ما وعد اللّه به من حفظ القرآن في قوله تعالى : إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ (٩) [الحجر : ٩].
قال اللّه تعالى : يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (١٧٢) إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٧٣)
أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ أصل الإهلال : رفع الصوت والجهر به. ومن ذلك قيل للملبي في حجة أو عمرة مهلّ لرفع صوته بالتلبية، ويقال : استهلّ الصبي، إذا صاح

(١) رواه أبو داود في السنن (٣/ ٣١٨)، كتاب العلم، باب كراهية منع العلم حديث رقم (٣٦٥٨)، والترمذي في الجامع الصحيح (٥/ ٢٩) في كتاب العلم باب ما جاء في كتمان العلم حديث رقم (٢٦٤٩).
(٢) أي الوقف.


الصفحة التالية
Icon