ص : ٥٠٦
ثم إنه ينبغي تفسير الأجل المسمى بوقت سوقها لا وقت نحرها، لأنّ صاحبها قد جعلها بالسوق خالصة للّه تعالى، فقد خرجت عن ملكه بذلك فلا يجوز له حينئذ أن ينتفع بشيء منها إلا عند الضرورة، وما انتفع به كان حقا للفقراء يجب أن يعوضهم منه مقدار قيمته.
يشهد لهذا ما ورد من الأحاديث التي قيّدت جواز الانتفاع بحالة الضرورة، فيجب أن يحمل غيرها عليها جمعا بين الأدلة. من ذلك ما
رواه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي عن جابر «١» : أنه سئل عن ركوب الهدي فقال : سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول :«اركبها بالمعروف إذا ألجئت إليها حتى تجد ظهرا»
فمن هذا يعلم أن الجواز خاصّ بحالة الضرورة، فإنّ الإلجاء إلى ركوبها هو الاضطرار إليه. وقالوا أيضا : إن ركوبها ينافي تعظيمها، إذ في الركوب امتهان واستهانة ظاهرة، مع أنّ تعظيمها مطلوب بنفس الآية، وإذا فلا يركبها إلا إذا ألجئ.
حجة القائلين بالوجوب : استدل القائلون بالوجوب بظاهر الأمر بالركوب فيما سبق من الأحاديث. وقالوا أيضا : إنّ في ركوبه مخالفة لما كان يصنعه أهل الجاهلية من مجانبة البحيرة والسائبة والوصيلة. وهو مردود بأنّ النبي صلّى اللّه عليه وسلّم لم يركب هديه، ولم يركبه غيره، ولم يأمر الناس جميعا بركوب هداياهم، إلا ذلك المضطر، كما تقدم، فدل ذلك على عدم الوجوب.
أما المالكية فالمشهور من مذهبهم أنه يكره الانتفاع بالبدن بركوبها ووبرها ولبنها، ولو كان لبنها فاضلا عن حاجة أولادها، والوجه فيه ظاهر، ومذهبهم على هذا قريب من مذهب الحنفية.
وقال النووي من الشافعية والزيلعي من الحنفية : إنّ الإمام مالكا يقول بجواز ركوب البدن، ولو من غير حاجة، فلو صحّ هذا فالحجج المتقدمة ناطقة بخلافه.
هذا والظاهر من قوله تعالى : ثُمَّ مَحِلُّها إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ أنّ جميع الهدايا يجب أن تذبح في هذا المحل، سواء في ذلك ما تعلّق وجوبه بالإحرام، كما في جزاء الصيد والفدية ودم التمتع ودم الإحصار، وما التزمه الإنسان كما في الدم الذي يتطوّع به إلى الحرم، أو ينذره كذلك.
قال اللّه تعالى : وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا مَنْسَكاً لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ فَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ (٣٤) المنسك : بفتح السين وكسرها : مفعل من النسك، بمعنى العبادة، فيصح أن