ص : ٥٢
ينسخها بحديث - أن يعمل ذلك في كل حديث يخالف هذه الآية، ويذهب إلى إباحة كل حيوان لم ترد بتحريمه، ولكنّا رأينا من يتمسك بالآية ويردّ بها حديثا يأخذ بحديث آخر، مع أن الآية تعارضه أيضا.
ولعل المالكية أقرب إلى مقتضى النظر، لأنه روي عنهم كراهة كثير مما ذكر تحريمه في هذه الأحاديث، وقد تضمنت الآية تحريم الميتة والدم ولحم الخنزير، وما أهل به لغير اللّه :
فأما الميتة : فهي ما مات من الحيوان حتف أنفه من غير قتل، أو مقتولا بغير ذكاة. وكان العرب في الجاهلية يستبيحونها. فلما حرّمها اللّه جادلوا في ذلك فحاجّهم اللّه كما يرى في سورة الأنعام.
وقد وردت أحاديث كثيرة تفيد تخصيص الميتة :
روي عن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم أنه قال :«أحلّت لنا ميتتان ودمان، فالميتتان السمك والجراد، والدمان الكبد والطحال». ذكره الدار قطني.
وورد في «الصحيحين» «١» عن جابر بن عبد اللّه، أنه خرج مع أبي عبيدة بن الجراح يتلقى عيرا لقريش قال : وزودنا جرابا من تمر. فانطلقنا على ساحل البحر، فرفع لنا على ساحل البحر كهيئة الكثيب الضخم فأتيناه. فإذا هي دابة تدعى العنبر، قال أبو عبيدة ميتة. ثم قال : بل نحن رسل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وقد اضطررتم، فكلوا.
قال فأقمنا عليه شهرا حتى سمنا. وذكر الحديث. قال : فلما قدمنا المدينة. أتينا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فذكرنا ذلك له. فقال :«هو رزق أخرجه اللّه لكم، فهل معكم من لحمه شيء. فتطعموننا؟» قال : فأرسلنا إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم منه. فأكله.
وروى مالك عن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم أنه قال في شأن البحر :«هو الطهور ماؤه الحل ميتته» «٢».
فذهب الشافعية والحنفية إلى تخصيص الميتة في الآية بالحديث الأوّل، وأحلّوا السمك والجراد الميّتين بغير ذكاة. إلا أن الحنفية حرّموا الطافي من السمك. وأحلوا ما جزر عنه البحر، لورود حديث يخصّص هذا الحديث المتقدم وهو :
عن جابر بن
(٢) رواه أبو داود في السنن (١/ ٤٥)، كتاب الطهارة، باب الوضوء بماء البحر حديث رقم (٨٣)، والترمذي في الجامع الصحيح (١/ ١٠٠) في كتاب الطهارة باب ما جاء في ماء البحر أنه طهور حديث رقم (٦٩).