ص : ٥٢١
عماد الدين، فأمرت بها مستقلا، ولم تقتصر على طلبها في عموم العبادات، ولا شكّ أن ذلك يدلّ على تأكّدها وفرضيتها على الناس جميعا.
غير أن الشافعية قالوا : إنّ الآية آية سجدة، وأخذوا من الأمر بالسجود فيها سجود التلاوة مطلوب لها كغيرها من بقية آيات السجود، مستندين في هذا إلى ما يأتي :
١ - إنّ السجود حقيقة في المعنى المعروف : وهو وضع الجبهة على الأرض، فمتى أمكن حمل اللفظ عليه فلا يصح العدول عنه إلا لموجب، وهو غير موجود في الآية.
٢ - وقالوا : أيضا : قد ورد في السنة ما يؤيّد هذا المعنى، ويكشف عن المراد بالسجود في الآية، فقد أخرج أحمد وأبو داود والترمذي وابن مردويه والبيهقي في «سننه» عن عقبة بن عامر رضي اللّه عنه قال : قلت : يا رسول اللّه أفضلت سورة الحج على سائر القرآن بسجدتين؟ قال :«نعم فمن لم يسجدهما، فلا يقرأهما» «١».
وأخرج أبو داود وابن ماجه والدار قطني والحاكم عن عمرو بن العاص أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أقرأه خمس عشرة سجدة في القرآن، منها ثلاث في المفصّل، وفي الحج سجدتان «٢».
وكان يقول بهذا علي، وعمر، وابنه عبد اللّه، وعثمان، وأبو الدرداء، وابن عباس في إحدى الروايتين عنه، وبه أخذ أيضا الإمام أحمد، واللّيث وابن وهب، وابن حبيب من المالكية رضي اللّه عنهم جميعا.
وقال أبو حنيفة «٣»، ومالك، والحسن، وابن المسيب، وابن جبير، وسفيان الثوري رضي اللّه عنهم : إنّ هذه الآية ليست آية سجدة، واستدلوا بما يأتي :
١ - إنّ اقتران السجود بالركوع دليل أنّ المراد به سجود الصلاة، كما في قوله تعالى : وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ [آل عمران : ٤٣] فإذا لم يكن هذا الاقتران موجبا لحمل السجود على سجود الصلاة، وأنه عبر عن الصلاة بمجموع الأمرين، فلا أقلّ من أن يكون مرجحا، لذلك فلا يصح أن يؤخذ من الآية أنّ السجود فيها سجود التلاوة.
٢ - ما
روي عن أبي رضي اللّه عنه أنه عدّ السجدات التي سمعها من رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وعدّ في الحج سجدة واحدة «٤».
(٢) رواه أبو داود في السنن (١/ ٥٢١)، كتاب الصلاة، باب تفريع أبواب السجود حديث رقم (٤٠١)، وابن ماجه في السنن (١/ ٣٣٥)، ٥ - كتاب إقامة الصلاة، ٧٠ - باب عدد سجدات القرآن حديث رقم (١٠٥٧).
(٣) انظر الهداية شرح بداية المبتدي للمرغيناني (١ - ٢/ ٨٥).
(٤) رواه الإمام أحمد في المسند (٤/ ٣٠٥).