ص : ٥٣١
في كلام العرب - إذا أرادوا بيان معنى وتفصيله اعتناء بشأنه - أن يذكروا قبله ما هو عنوان وترجمة له، وهذا لا يكون إلا بأن يبنى الكلام على جملتين.
وقد يقال : ما الحكمة في أن بدأ اللّه في الزنى بالمرأة وفي السرقة بالرجل؟
والجواب : إن الزنى من المرأة أقبح، فإنّه يترتب عليه تلطيخ فراش الرجل، وفساد الأنساب، وعار على العشيرة أشد وألزم، والفضيحة بالحمل منه أظهر وأدوم، فلهذا كان تقديمها على الرجل أهم.
وأما السرقة فالغالب وقوعها من الرجال، وهم عليها أجرأ من النساء وأجلد وأخطر، فقدّموا عليهنّ لذلك.
حدّ الزنى
كان حد الزنى في أول الإسلام ما قصّه اللّه علينا في سورة النساء من قوله جلّ شأنه : وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ مِنْ نِسائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا (١٥) وَالَّذانِ يَأْتِيانِها مِنْكُمْ فَآذُوهُما فَإِنْ تابا وَأَصْلَحا فَأَعْرِضُوا عَنْهُما إِنَّ اللَّهَ كانَ تَوَّاباً رَحِيماً (١٦) [النساء : ١٥، ١٦] فكانت عقوبة المرأة أن تحبس، وعقوبة الرجل أن يعيّر ويؤذى بالقول، ثم نسخ ذلك بقوله تعالى : الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ.
أخرج مسلم وأبو داود والترمذي «١» عن عبادة بن الصامت رضي اللّه عنه قال : كان نبي اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إذا نزل عليه كرب لذلك، وتربّد وجهه، فأنزل اللّه تعالى عليه ذات يوم، فلقي كذلك، فلمّا سرّي عنه قال :«خذوا عني، خذوا عني، فقد جعل اللّه لهن سبيلا : البكر بالبكر جلد مئة ونفي سنة والثيب بالثيب جلد مئة والرجم».
معنى تربّد : تغيّر.
وأخرج أبو داود عن ابن عباس رضي اللّه عنهما قال : قال اللّه تعالى : وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ مِنْ نِسائِكُمْ إلى قوله : سَبِيلًا فذكر الرجل بعد المرأة، ثم جمعهما فقال : وَالَّذانِ يَأْتِيانِها مِنْكُمْ فنسخ اللّه ذلك بآية الجلد فقال : الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ وتقدّم لك في تفسير هاتين الآيتين ما يغني عن الإعادة، فارجع إليه في سورة النساء.
ظاهر قوله تعالى : الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ أنّ أولياء الأمر من