ص : ٥٤٠
وهذا القول ليس بسديد لأنّه يصادم العرف واللغة، ألا تراه لو حلف لا يزني فلاط أو بالعكس لم يحنث، وكيف يكون اللواط زنى، وقد اختلف الصحابة في حكمه، وهم أعلم باللغة وموارد اللسان.
وقال بعض آخر من الشافعية : اللواط غير الزنى، إلا أنه يقاس عليه بجامع كون الطبع داعيا إليه فيناسب الزاجر، وهذا أيضا ليس بسديد، لأنه بعد تسليم أن الطبع يدعو إلى اللواط فإنّ الزنى أكثر وقوعا، وأعظم ضررا لما يترتب عليه من فساد الأنساب، فكان الاحتياج فيه إلى الزاجر أشد وأقوى.
ولعل أقوى أدلة الشافعي فيما ذهب إليه ما
رواه أبو موسى الأشعري عنه صلّى اللّه عليه وسلّم أنه قال :«إذا أتى الرجل الرجل فهما زانيان» «١»
فإنّ هذا الخبر إن لم يدل على اشتراك اللواط والزنى في الاسم والحقيقة فلا أقل من اشتراكهما في الحكم، وبقول الشافعي هذا قال أبو يوسف ومحمد.
والقول الثاني من قولي الشافعي في حد اللائط : إنه يقتل : إما بحز الرقبة كالمرتد، وإما بالرجم، وهو مروي عن ابن عباس، وقول أحمد وإسحاق، ورواية عن مالك، وإما بالهدم عليه، ويروى عن أبي بكر الصديق، وإما بالرمي من شاهق، وهو مشهور مذهب مالك.
وقال أبو حنيفة رحمه اللّه : ليس في اللواط «٢» حد، بل فيه تعزير، لأنه وطء لا يتعلق به المهر، فلا يتعلق به الحد، ولأنه لا يساوي الزنى في الحاجة إلى شرع الحد، لأن اللواط لا يرغب فيه المفعول به طبعا، وليس فيه إضاعة النسب، وأيضا
فقوله صلّى اللّه عليه وسلّم :«لا يحلّ دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث : زنى بعد إحصان، وكفر بعد إيمان، وقتل نفس بغير حق» «٣»
قد حظر قتل المسلم إلا بإحدى هذه الثلاث، وفاعل ذلك خارج عن ذلك، لأنه لا يسمى زانيا، وأنت تعلم أنّه لم يثبت عنه صلّى اللّه عليه وسلّم أنه قضى في اللواط بشي ء، لأنّ هذا المنكر لم تكن تعرفه العرب، ولم يرفع إليه صلّى اللّه عليه وسلّم حادثة منه، ولكن
ثبت عنه أنه قال :«من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به» رواه أصحاب السنن الأربعة «٤»
وإسناده صحيح، وقال الترمذي : حديث حسن.
(٢) انظر الهداية شرح بداية المبتدي للمرغيناني (١/ ٣٨٩).
(٣) سبق تخريجه.
(٤) رواه الترمذي في الجامع الصحيح (٤/ ٤٧)، كتاب الحدود، باب ما جاء في حد اللوطي حديث رقم (١٤٥٦)، وأبو داود في السنن (٤/ ١٥٣)، كتاب الحدود، باب فيمن عمل قوم لوط حديث رقم (٤٤٦٢)، وابن ماجه في السنن (٢/ ٨٥٦)، ٢٠ - كتاب الحدود، ١٢ - باب من عمل عمل قوم لوط حديث رقم (٢٥٦١).