ص : ٥٤٢
أسامة بن زيد حين شفع في فاطمة بنت الأسود بن عبد الأسد المخزومية، وكانت سرقت قطيفة أو حليا،
فقال له :«أتشفع في حد من حدود اللّه تعالى» ثم قام فاختطب فقال :«إنما أهلك الذين من قبلكم أنّهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وأيم اللّه لو أنّ فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها» أخرجه الخمسة «١».
وعن ابن عمر رضي اللّه عنهما أنّه سمع النبي صلّى اللّه عليه وسلّم يقول :«من حالت شفاعته دون حدّ من حدود اللّه تعالى فقد ضادّ اللّه عزّ وجلّ» أخرجه أبو داود «٢».
وكما تحرم الشفاعة في الحدود يحرم على الإمام قبول الشفاعة فيها، فعن الزبير بن العوام رضي اللّه عنه أنه لقي رجلا قد أخذ سارقا يريد أن يذهب به إلى السلطان فشفع له الزبير ليرسله، فقال : لا حتى أبلغ به إلى السلطان، فقال الزبير :
إنما الشفاعة قبل أن يبلغ السلطان، فإذا أبلغ السلطان لعن الشافع والمشفع. أخرجه مالك «٣» وفي رواية أنّه قال : إذا بلغ الحد إلى الإمام فلا عفا اللّه عنه إن عفا.
وأما قوله تعالى : إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فالغرض منه التهييج والإلهاب والحث على الامتثال كما يقال للرجل : إن كنت رجلا فافعل كذا، ولا شكّ في أنه رجل، كذلك المخاطبون لا شك في أنّهم مؤمنون، لكن قصد تهييجهم، وتحريك حميتهم، ليجدّوا في طاعة اللّه تعالى، ويجتهدوا في إجراء أحكامه على وجهها، وفي ذكر اليوم الآخر تذكير لهم بما فيه من العقاب ليستأصلوا عاطفة اللين في استيفاء حدود اللّه تعالى، وفي الحديث :«يؤتى بوال نقص من الحد سوطا فيقال له، لم فعلت ذاك؟ فيقول :
يا رب رحمة بعبادك، فيقول له : أنت أرحم بهم مني، فيؤمر به في النار»
.
حضور الحد
ظاهر الأمر في قوله تعالى : وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ يقتضي وجوب الحضور على طائفة من المؤمنين، لكنّ الفقهاء أجمعوا على أنّ حضور الجمع

(١) رواه مسلم في الصحيح (٣/ ١٤١٥)، ٢٩ - كتاب الحدود، ٢ - باب قطع السارق، حديث رقم (١٦٨٨)، والبخاري في الصحيح (٢/ ٢١)، ٨٦ - كتاب الحدود، ١٣ - باب كراهية الشفاعة حديث رقم (٦٧٨٨)، والترمذي في الجامع الصحيح (٤/ ٢٩)، كتاب الحدود، باب كراهية أن يشفع في الحدود حديث رقم (١٤٣٠)، والنسائي في السنن (٧ - ٨/ ٤٣٩)، كتاب قطع السرقة، باب ذكر المخزومية حديث رقم (٤٨٩٥)، وابن ماجه في السنن (٢/ ٨٥١)، ٢٠ - كتاب الحدود، ٦ - باب الشفاعة حديث رقم (٢٥٤٧).
(٢) رواه أبو داود في السنن كتاب الأقضية، باب فيمن يعين حديث رقم (٣٥٩٧).
(٣) رواه مالك في الموطأ كتاب الحدود، باب ترك الشفاعة حديث رقم (٨٣٤).


الصفحة التالية
Icon