ص : ٥٦
غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ على أن المراد غير باغ في الأكل، ولا متعد حد الضرورة، بل يحمله على البغي والعدوان على الإمام.
وذهب غيره إلى الثاني، لأنّ الإباحة ضرورة، فتقدر بقدر الضرورة.
والحكمة في تحريم ما ذكر في الآية : أما الميتة فلا ستقذارها، ولما فيها من ضرر، لأنها إمّا أن تكون قد ماتت لمرض قد أفسد تركيبها. وجعلها لا تصلح للبقاء.
وإما لسبب طارئ.
فأما الأولى : فقد خبث لحمها. وتلوث بجراثيم المرض، فيخاف من عدواها ونقل مرضها إلى آكليها.
وأما الثانية : فلأنّ الموت الفجائي يقتضي بقاء المواد الضارّة في جسمها.
وأمّا الدم المسفوح، فلقذارته وضرره أيضا.
وأما لحم الخنزير، فلأن غذاءه من القاذورات والنجاسات، فيقذر لذلك ولأن فيه ضررا، فقد استكشف الأطباء أنّ لحم الخنزير يحمل جراثيم شديدة الفتك، ويظهر أيضا أن المتغذي من لحم الخنزير قد يكتسب من طباع ما يأكله، والخنزير فيه كثير من الطباع الخبيثة.
وأما ما أهل به لغير اللّه فتحريمه لحكمة مرجعها إلى صيانة الدين والتوحيد.
قال اللّه تعالى : يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثى بِالْأُنْثى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ ذلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ (١٧٨)
كُتِبَ عَلَيْكُمُ فرض عليكم، كقوله : كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ [البقرة : ١٨٣] ومنه الصلوات المكتوبات، وقول الشاعر «١» :
كتب القتل والقتال علينا وعلى الغانيات جرّ الذّيول
الْقِصاصُ : أن يفعل به مثل ما فعل. من قولهم : اقتص أثر فلان إذا فعل مثل فعله. قال اللّه تعالى : فَارْتَدَّا عَلى آثارِهِما قَصَصاً [الكهف : ٦٤].
الْقَتْلى : جمع قتيل، كالصرعى جمع صريع. وإنما يكون (فعلى) جمعا (لفعيل) إذا كان وصفا دالا على الزمانة.
العفو : يطلق في اللغة على معان المناسب منها هنا اثنان : العطاء والإسقاط، فمن الأول : جاد بالمال عفوا صفوا : أي مبذولا... ومن الثاني : وَاعْفُ عَنَّا [البقرة : ٢٨٦]

(١) الشاعر هو عمر بن أبي ربيعة.


الصفحة التالية
Icon