ص : ٥٦٠
الشهادات، ومنهم من قال : هي أيمان غلبت فيها أحكام الأيمان، وسيأتي بيان ثمرة الخلاف في ذلك.
وظاهر قوله تعالى : إِلَّا أَنْفُسُهُمْ أنه استثناء متصل. وقيل : إن (إلا) بمعنى (غير) ظهر إعرابها على ما بعدها بطريق العارية، فإنّ (إلا) و(غير) يتعاوران الاستثناء والوصفية، فتكون (غير) للاستثناء حملا على (إلا) وصفة حملا على (غير) ومن العلماء من جعل الاستثناء هنا منقطعا لظهور أن الزوج ليس من البينة التي كان يصحّ أن يستشهدها لو وجدها. وأولى الأقوال في هذا الاستثناء أنه متصل، وأن فيه تغليب الشهداء حتى شملوا الزوج القاذف، والسر في هذا التغليب الإشارة من أول الأمر إلى اعتبار قوله، وعدم إلغائه، ليوافق ما آل إليه اللعان في آخر الأمر من اعتبار قوله في سقوط الحد عنه بكلماته وحدها.
واللعن : الطرد من رحمة اللّه والغضب : السخط، وهو أشد من اللعن، فلذلك أضيف الغضب إلى المرأة لما أنّ جريمتها وهي الزنى أشد من جريمة الرجل، وهي القذف.
والدرء : الدفع، ومنه فَادَّارَأْتُمْ [البقرة : ٧٢] : تدافعتم. والعذاب : كل مؤلم، والمراد به هنا حدّ الزنى أو التعزير بالحبس ونحوه، على اختلاف الرأيين كما ستعلم.
سبب نزول آيات اللعان
ذكر العلماء في سبب نزول هذه الآيات روايات
فأخرج البخاري وأبو داود والترمذي عن ابن عباس «١» رضي اللّه عنهما أنّ هلال بن أمية رضي اللّه عنه قذف امرأته عند النبي صلّى اللّه عليه وسلّم بشريك بن سحماء فقال النبي صلّى اللّه عليه وسلّم :«البينة أو حدّ في ظهرك» فقال : يا رسول اللّه! إذا رأى أحدنا على امرأته رجلا ينطلق يلتمس البينة، فجعل النبي صلّى اللّه عليه وسلّم يقول :«البينة أو حدّ في ظهرك» فقال : والذي بعثك بالحق إني لصادق، ولينزلن اللّه تعالى ما يبرئ ظهري من الحد، فنزل جبريل عليه الصلاة والسلام، وأنزل عليه.
وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَداءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ حتى بلغ إِنْ كانَ مِنَ الصَّادِقِينَ فانصرف النبي صلّى اللّه عليه وسلّم، فأرسل إليهما، فجاء هلال فشهد، والنبي صلّى اللّه عليه وسلّم يقول :«اللّه يعلم أنّ أحدكما كاذب، فهل منكما تائب؟» ثم قامت فشهدت، فلما كانت عند الخامسة وقفوها وقالوا لها : إنّها موجبة. قال ابن عباس رضي اللّه عنهما فتلكأت ونكصت، وظننا أنها ترجع، ثم قالت : واللّه لا أفضح قومي سائر اليوم، فمضت، فقال النبي صلّى اللّه عليه وسلّم :«أبصروها. فإن