ص : ٥٧٣
وما أخرجه قاسم بن أصبغ وابن عبد البر عن ابن عباس قال : استأذن عمر رضي اللّه عنه على النبي صلّى اللّه عليه وسلّم فقال : السلام على رسول اللّه السلام عليكم أيدخل عمر؟
وبعض العلماء فصّل في المسألة فقال : إن كان القادم يرى أحدا من أهل البيت سلّم أولا، ثم استأذن في الدخول، وإن كانت عينه لا تقع على أحد منهم قدّم الاستئذان على السلام. وهذا قول جيّد، ولا ينافيه حديث الترمذي والآثار السابقة، فإنّه يمكن أن تحمل على الحالات التي يكون فيها القادم بحيث يرى أهل البيت. فالأصل أن يقدّم الاستئذان على السلام كما هو ظاهر الآية إلا أن يكون القادم بحيث يرى أهل الدار، فينبغي أن يحييهم أولا بالسلام، ثم يستأذن. وفي هذا جمع بين الأدلة.
وظاهر الآية أنّ الاستئذان غير مقيّد بعدد، فإن استأذن مرة فأجيب بالإذن دخل، وإن أجيب بالرد رجع، وإن لم يجب فلا عليه أن يرجع.
وقال بعض العلماء : إنّ الاستئذان ثلاث مرات، فمن لم يؤذن له بعدهن فليرجع، إلا إذا أيقن أنّ من في البيت لم يسمع، فإنّه يجوز له الزيادة على الثلاث.
والحكمة في هذا العدد أنّ المرة الأولى لإسماع من في البيت، والثانية : ليتهيؤوا، والثالثة : ليأذنوا، أو يردوا. واستدلّ هؤلاء بما
روى أبو هريرة رضي اللّه عنه قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم :«الاستئذان ثلاث : بالأولى يستنصتون، وبالثانية : يستصلحون، وبالثالثة : يأذنون أو يردون»
وبما
روي عن أبي سعيد الخدري «١» قال : كنت جالسا في مجلس من مجالس الأنصار، فجاء أبو موسى فزعا، فقلنا له : ما أفزعك؟ فقال أمرني عمر أن آتيه فأتيته، فاستأذنت ثلاثا فلم يؤذن لي، فرجعت فقال : ما منعك أن تأتيني؟
فقلت : قد جئت فاستأذنت ثلاثا فلم يؤذن لي. وقد قال عليه الصلاة والسلام :«إذا استأذن أحدكم ثلاثا فلم يؤذن له فليرجع» فقال : لتأتيني على هذا بالبينة أو لأعاقبنك، فقال أبيّ بن كعب : لا يقوم معك إلا أصغر القوم. قال أبو سعيد : وكنت أصغرهم، فقمت معه، فأخبرت عمر أنّ النبي صلّى اللّه عليه وسلّم قال ذلك.
والراجح أنّ الواجب إنما هو الاستئذان مرة، فأما إكمال العدد ثلاثا فهو حقّ المستأذن، إن شاء أكمله، وإن شاء اقتصر على مرة أو مرتين.
فقد روى الزهري عن عبيد اللّه بن أبي ثور عن ابن عباس رضي اللّه عنهما قال :
سألت عمر بن الخطاب فقلت : يا أمير المؤمنين من المرأتان من أزواج النبي صلّى اللّه عليه وسلّم اللتان تظاهرتا عليه، اللتان قال اللّه فيهما : إِنْ تَتُوبا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما [التحريم : ٤]؟
فقال : حفصة وعائشة، قال : ثم أخذ يسوق الحديث، وذكر اعتزال النبي في المشربة،

(١) رواه البخاري في الصحيح (٧/ ١٦٩)، ٧٩ - كتاب الاستئذان، ١٣ - باب التسليم حديث رقم (٦٢٤٥).


الصفحة التالية
Icon