ص : ٥٨٣
رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم :«احتجبا منه» فقلنا : يا رسول اللّه أليس أعمى لا يبصرنا ولا يعرفنا؟
فقال :«أفعمياوان أنتما، ألستما تبصرانه» «١»؟.
وفي «الموطأ» عن عائشة أنّها احتجبت من أعمى فقيل لها : إنّه لا ينظر إليك، قالت : لكنّي انظر إليه.
فهاتان الروايتان بظاهرهما تحظران على المرأة أن تنظر إلى شيء من بدن الرجل الأجنبي، وهو قول أحمد، وأحد قولي الشافعي، وصححه النووي، وهو أيضا ظاهر قوله تعالى : وَقُلْ لِلْمُؤْمِناتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصارِهِنَّ.
وفي «الصحيحين» «٢» وغيرهما عن عائشة رضي اللّه عنها قالت : رأيت النبي صلّى اللّه عليه وسلّم يسترني بردائه وأنا انظر إلى الحبشة يلعبون في المسجد، حتى أكون أنا الذي يسأم.
ولأحمد «٣» عنها أن الحبشة كانوا يلعبون عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في يوم عيد قالت :
فاطلعت من فوق عاتقه، فطأطأ لي منكبيه، فجعلت انظر إليهم من فوق عاتقه حتى شبعت، ثم انصرفت.
وقد صحّ أنّ النبي صلّى اللّه عليه وسلّم أمر فاطمة بنت قيس أن تعتد في بيت ابن أم مكتوم وقال :
«إنه رجل أعمى تضعين ثيابك عنده» «٤»
ولا شكّ أن مساكنتها له تستلزم نظرها إليه.
وصحّ أيضا أنّ النبي صلّى اللّه عليه وسلّم مضى إلى النساء في المسجد يوم عيد، فذكّرهن ومعه بلال، وأمرهنّ بالصدقة «٥». وبعيد ألا ينظرن إلى النبي صلّى اللّه عليه وسلّم وإلى بلال حين كن يسمعن الموعظة ويتصدقن، فدلّ مجموع ذلك على أنه يباح للمرأة أن تنظر من الرجل الأجنبي إلى ما عدا ما بين سرته وركبته. وبهذا قال جمع من فقهاء الأمصار، وهو أحد قولي الشافعي كما علمت.
وأجاب أصحاب هذا الرأي عن حديث أم سلمة، واحتجاب عائشة من الأعمى :
بأنّ الأعمى قد يبدو من عورته المتفق على حرمة النظر إليها ما لا يشعر به فأمرن بالاحتجاب منه لذلك، فلا يلزم من ذلك عدم جواز النظر بإطلاق.
كما أجاب أصحاب الرأي الأول عن نظر عائشة إلى الحبشة وهم يلعبون بأنّ
(٢) رواه مسلم في الصحيح (٢/ ٦٠٧)، ٨ - كتاب العيدين، ٤ - باب الرخصة حديث رقم (٨٩٢)، والبخاري في الصحيح (١/ ١٣٣)، ٨ - كتاب الصلاة، ٦٩ - باب أصحاب الحراب حديث رقم (٤٥٤).
(٣) رواه أحمد في المسند (٦/ ٨٣).
(٤) رواه مسلم في الصحيح (٢/ ١١٤)، ١٨ - كتاب الطلاق، ٦ - باب المطلقة حديث رقم (١٤٨٠).
(٥) رواه مسلم في الصحيح (٢/ ٦٠٦)، ٨ - كتاب العيدين، ٢ - باب ترك الصلاة، حديث رقم (١٣/ ٨٨٤).