ص : ٥٨٧
والطرقات، فلا يجوز للمرأة أن تخرج سافرة عن وجهها، ولا أن تبدي شيئا من زينتها.
فأما
قول النبي صلّى اللّه عليه وسلّم لجرير بن عبد اللّه :«اصرف بصرك»
وقوله لعلي بن أبي طالب :«لا تتبع النظرة...»
فمعناها النهي عن تعمد النظر إلى شيء من بدن المرأة لغير حاجة، فإن تعمد النظر إليها حينئذ لا يخلو عن ريبة، وقد أمرنا بالبعد عن مظانّ التهم والريبة.
وأما صرف النبي صلّى اللّه عليه وسلّم وجه الفضل عن النظر إلى الخثعمية. فإنما كان ذلك لمخافة الفتنة،
فقد أخرج الترمذي «١»
وصححه : أنّ العباس بن عبد المطلب قال للنبي صلّى اللّه عليه وسلّم : لويت عنق ابن عمك؟ فقال عليه الصلاة والسلام :«رأيت شابا وشابة فلم آمن عليهما الفتنة».
فكان في ذلك دليل على جواز النظر عند أمن الفتنة، ولو لم يفهم العباس أنّ النظر جائز ما قال مقالته، ولو لم يكن ما فهمه صحيحا ما أقرّه عليه النبي صلّى اللّه عليه وسلّم.
وأما قوله تعالى : وَإِذا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتاعاً فَسْئَلُوهُنَّ مِنْ وَراءِ حِجابٍ فحكمه خاصّ بأزواج النبي صلّى اللّه عليه وسلّم لما أنّ لهن من الحرمة ما ليس لغيرهن من النساء، فلا يقاس غيرهن عليهن في ذلك.
هذا وقد استثنت الشريعة حالات يباح فيها للأجنبي أن ينظر من بدن المرأة إلى ما تقضي الضرورة بالنظر إليه فللخاطب والشاهد والقاضي والعامل أن يرى الوجه، حتى على رأي القائلين بأن بدن المرأة كله عورة، وكذلك للطبيب أن يرى موضع العلاج، وللشاهد بالزنى أن يرى ما يصحح له الشهادة.
وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلى جُيُوبِهِنَّ. والضرب : معناه السدل والإرخاء.
والخمر : جمع خمار، وهو ما تغطي به المرأة رأسها، مأخوذ من الخمر بمعنى الستر والتغطية.
والجيوب : جمع جيب. وهو فتحة في أعلى القميص يبدو منها بعض النحر.
في هذا الأمر إرشاد من اللّه، وتعليم للنساء كيف يسترن بعض مواضع الزينة الباطنة منهن، أمرهن أن يرخين الخمر على جيوبهن، ليسترن الصدور والنحور، ولا يكنّ كنساء الجاهلية، إذ كانت إحداهنّ تضع خمارها على رأسها، ثم تلقي أطرافه وجوانبه من خلفها. وكانت تمشي بين الرجال هكذا، يظهر منها نحرها وصدرها. وفي ذلك دليل على أن صدر المرأة ونحرها عورة. لا يجوز للأجنبي النظر إليهما منها.
وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ قد تبين مما تقدّم أنّه لا يجوز للمرأة أن تبدي من زينتها خلاف ما استثناه اللّه تعالى بقوله : إِلَّا ما ظَهَرَ مِنْها فحرام عليها أن تبدي معصمها أو ساقها أو جيدها أو شيئا من مواقع الزينة الباطنة منها.

(١) رواه الترمذي في الجامع الصحيح (٣/ ٢٣٢)، كتاب الحج، باب ما جاء أنّ عرفة كلها موقف حديث رقم (٨٨٥).


الصفحة التالية
Icon