ص : ٦٢
على من له قتل على جان، ورغب في القصاص أن يقتله بأحسن وجوه القتل.
وقالوا : إذا ثبت حديث أنس، كان منسوخا بالنهي عن المثلة، وحكي عن القاسم بن معن أنه حضر مع شريك بن عبد اللّه «١» عند بعض السلاطين، فقال : ما تقول فيمن رمى رجلا بسهم فقتله؟
قال : يرمى فيقتل، قال : فإن لم يمت بالرمية الأولى؟
قال : يرمى ثانية.
قال : أفتتّخذونه غرضا وقد نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أن يتّخذ شيء من الحيوان غرضا «٢»؟ فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ.
قد ذكرنا أن المناسب من معاني العفو هنا : الإسقاط، أو العطاء. فذهب الشافعي إلى أن المراد هنا الإسقاط، والمعنى : فأيّ قاتل ترك له من أخيه شيء من القصاص فاتبعه أيها القاتل، وأدّ إليه بإحسان، وبناء على ذلك يكون موجب القتل العمد عنده أحد أمرين : إمّا القصاص، وإما العفو إلى الدية، فأيهما اختار الولي أجبر الجاني عليه. وهو رواية أشهب عن مالك. وروي عن ابن عباس : العفو أن تقبل الدية في العمد. ونحوه عن قتادة، ومجاهد وعطاء، والسدي.
وذهب غيرهم إلى أن العفو العطاء، أي فمن أعطي له من أخيه شيء من المال فليتبعه بالمعروف، وليؤد إليه الجاني، وحينئذ لا يكون في الآية ما يدل على إلزام القاتل بالدية إذا رضيها الولي. وبناء على ذلك ذهبوا إلى أن موجب القتل العمد القصاص فقط. فإذا عفا الولي إلى الدية، ولم يقبل الجاني لم يجبر، وإلى ذلك ذهب أبو حنيفة وهو رواية القاسم عن مالك.
ويدل للمذهب الأول ما
روي من أنه صلّى اللّه عليه وسلّم قال :«من قتل له قتيل فهو بخير النظرين إمّا أن يفدى وإما أن يقتل» «٣».
قال اللّه تعالى : وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ يا أُولِي الْأَلْبابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (١٧٩) بعد أن بيّن اللّه شرع القصاص ذكر الحكمة فيه، فقال : وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ يا أُولِي الْأَلْبابِ
(٢) رواه مسلم في الصحيح (٣/ ١٥٤٩)، ٣٤ - كتاب الصيد، ١٢ - باب النهي عن صبر البهائم حديث رقم (٥٨/ ١٩٥٧)، ورواه الترمذي في الجامع الصحيح (٤/ ٦٠)، كتاب الأطعمة، باب ما جاء في كراهية أكل المصبور حديث رقم (١٤٧٥).
(٣) رواه البخاري في الصحيح (٨/ ٤٩)، ٨٨ - كتاب الديات، ٨ - باب من قتل له قتيل حديث رقم (٦٨٨٠) ومسلم في الصحيح (٢/ ٩٨٨)، ١٥ - كتاب الحج، ٨٢ - باب تحريم مكة وصيدها حديث رقم (٤٤٧/ ١٣٥٥).