ص : ٦٢١
وروي أنّ عثمان رضي اللّه عنه سأل الناس عن ذلك فقال له ابن عباس مثل ذلك، وأنّ عثمان رجع إلى قول علي وابن عباس، وحكى الجصاص «١» اتفاق أهل العلم على أنّ أقل مدة الحمل ستة أشهر.
وذهب أبو حنيفة رحمه اللّه إلى أن مدة الرضاع المحرّم ثلاثون شهرا «٢». لقوله تعالى : وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً وسنبينه إن شاء اللّه. ثم إنه رحمه اللّه يحمل الآية التي معنا على الكثير الغالب في الفطام، إذ إنه لا يتجاوز به في العادة عامين، ويقول في آية البقرة إنها لبيان المدة التي تستحق فيها المطلقة أجرا على الإرضاع، إذ إنها لا تستحق أجرا فيما وراء العامين، وذلك لا ينفي أن يكون ما بعد العامين إلى تمام الثلاثين شهرا من مدة الرضاع المحرّم.
وللحنفية في وجه الدلالة من قوله تعالى : وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً على مذهب الإمام طريقتان :
الأولى : أنّه ذكر في الآية أمران متعاطفان أعقبا ببيان مدتهما، فتكون هذه المدة لكلّ من الأمرين استقلالا على ما يشهد به كلام الفقهاء في مثل قول المقرّ : عليّ لكلّ من فلان وفلان مئة إلى سنة أنّ السنة أجل كلّ من الدينين، فتكون الثلاثون شهرا مدة كل من الحمل والرضاع، غير أنّه قد ثبت في الحمل ما أوجب نقصه من الثلاثين شهرا، وهو ما روي عن عائشة رضي اللّه عنها أنّ الولد لا يبقى في بطن أمه أكثر من سنتين، ولو بقدر فلكة مغزل، ومثل هذا لا يقال بالرأي، فله حكم الحديث المرفوع، وإذا كان الأمر كذلك بقيت مدة الفصال على ظاهرها.
والطريقة الثانية : في معنى قوله تعالى : وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً هي أن ليس المراد بالحمل هنا حمل الجنين في البطن، بل حمل الولد بعد الولادة في مدة الرضاع، وحينئذ تكون المدة المضروبة في الآية إنما هي لشيء واحد، هو ذلك الحمل الذي ينتهي بالفصال.
وأنت تعلم أن العلماء ومنهم أبو حنيفة متفقون فيما حكى الجصاص على أنّ أقل مدة الحمل ستة أشهر، وأنهم استنبطوا ذلك من قوله تعالى : وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً وقوله تعالى : وَفِصالُهُ فِي عامَيْنِ.
فتأويل الحنفية آية الأحقاف وحملهم لها على الوجهين المتقدمين ينافي ما اتفق عليه الفقهاء جميعا ويلزمهم حينئذ أحد أمرين : إما أن الإمام لم يوافق الجماعة في أنّ أقل
(٢) الهداية شرح بداية المبتدي للإمام المرغيناني (١ - ٢/ ٢٤٣).